الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وأما من nindex.php?page=treesubj&link=1333_1418زال عقله بجنون أو إغماء أو مرض فلا عليه لقوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=19570رفع القلم عن ثلاثة } فنص على المجنون وقسنا عليه كل من زال عقله بسبب مباح . وإن زال عقله بمحرم كمن شرب المسكر أو تناول [ ص: 8 ] دواء من غير حاجة فزال عقله وجب عليه القضاء إذا أفاق ; لأنه زال عقله بمحرم فلم يسقط عنه الفرض ) .
( الشرح ) من nindex.php?page=treesubj&link=1333_1418زال عقله بسبب غير محرم ، كمن جن أو أغمي عليه أو زال عقله بمرض أو بشرب دواء لحاجة أو أكره على شرب مسكر فزال عقله فلا صلاة عليه ، وإذا أفاق فلا قضاء عليه ، بلا خلاف للحديث ، سواء قل زمن الجنون والإغماء أو كثر . هذا مذهبنا ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رحمه الله : nindex.php?page=treesubj&link=1333_1423إن كان الإغماء دون يوم وليلة لزمه قضاء ما فات فيه ، وإن كان أكثر فلا ، ونقل nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم عن nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي nindex.php?page=showalam&ids=15741وحماد بن أبي سليمان nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة أن المغمى عليه يقضي ، دليلنا القياس على المجنون وعلى ما فوق يوم وليلة ، أما إذا زال عقله بمحرم بأن شرب المسكر عمدا عالما به مختارا ، أو شرب دواء لغير حاجة ، وهو مما يزول به العقل ، فزال عقله لم تصح صلاته في ذلك الحال ، فإذا عاد عقله لزمه القضاء . قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله في الأم : أقل السكر أن يذهب عنه لغلبته بعض ما لم يكن يذهب ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في موضع آخر : ( السكران من اختل كلامه المنظوم ، وباح بسره المكتوم ) وقال أصحابنا : هو أن تختل أحواله فلا تنتظم أفعاله وأقواله ، وإن كان له بقية تمييز وفهم كلام ، فأما من حصل له بشرب الخمر نشاط وهزة لدبيب الخمر ولكن لم يستول عليه بعد ولم يختل شيء من عقله فهو في حكم الصاحي ، فتصح صلاته في هذه الحال وجميع تصرفاته بلا خلاف ولا ينتقض وضوءه ، وقد سبق هذا في باب ما ينقض الوضوء ، وسنعيد إيضاحها في كتاب الطلاق وحيث بسطه المصنف والأصحاب إن شاء الله تعالى .
( فرع ) قد ذكرنا أن nindex.php?page=treesubj&link=1333الجنون والإغماء وما في معناهما مما يزيل العقل بغير معصية يمنع وجوب الصلاة ولا إعادة سواء كثر زمن الجنون والإغماء ونحوهما أم قل ، حتى لو كان لحظة أسقط فرض الصلاة . ويتصور إسقاط الفرض بجنون لحظة وإغماء لحظة فيما nindex.php?page=treesubj&link=1413_1333_1416_1418إذا بلغ مجنونا وقد بقي من وقت الصلاة لحظة ثم زال الجنون عقب خروج الوقت . وحكى أصحابنا عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أنه قال : يلزم المغمى عليه بعد الإفاقة قضاء يوم وليلة ، ولا يلزمه ما زاد . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد يلزمه الجميع وإن كثر . [ ص: 9 ] وروي هذا عن nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ، وروي مثل مذهبنا عن nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، والله أعلم .
( فرع ) قال أصحابنا : nindex.php?page=treesubj&link=17419_1418يجوز شرب الدواء المزيل للعقل للحاجة ، كما أشار إليه المصنف بقوله : شرب دواء من غير حاجة ، وإذا زال عقله والحالة هذه لم يلزمه قضاء الصلوات بعد الإفاقة ; لأنه زال بسبب غير محرم ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=17419احتيج في قطع يده المتآكلة إلى تعاطي ما يزيل عقله فوجهان أصحهما جوازه ، وسنوضح هذه المسألة إن شاء الله تعالى بفروعها في باب حد الخمر . أما nindex.php?page=treesubj&link=17420إذا أراد تناول دواء فيه سم ، قال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد في التعليق وصاحب البيان : قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله في كتاب الصلاة : إن غلب على ظنه أنه يسلم منه جاز تناوله ، وإن غلب على ظنه أنه لا يسلم منه لم يجز ، وذكر في كتاب الأطعمة أن في تناوله إذا كان الغالب منه السلامة قولين ، قال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد والبندنيجي فإن حرمناه وزال عقله بتناوله وجب القضاء ، وإن لم نحرمه فلا قضاء .
( فرع ) قال أصحابنا رحمهم الله : nindex.php?page=treesubj&link=17419_1418إذا لم يعلم كون الشراب مسكرا أو كون الدواء مزيلا للعقل لم يحرم تناوله ، ولا قضاء عليه كالإغماء ، فإن علم أن جنسه مسكر وظن أن ذلك القدر لا يسكر وجب القضاء لتقصيره وتعاطيه الحرام . وأما ما يزيل العقل من غير الأشربة والأدوية كالبنج وهذه الحشيشة المعروفة فحكمه حكم الخمر في التحريم ووجوب قضاء الصلوات ، ويجب فيه التعزير دون الحد ، والله أعلم .
( فرع ) لو nindex.php?page=treesubj&link=1333_1423وثب من موضع فزال عقله فإن فعله لحاجة فلا قضاء ، وإن فعله عبثا لزمه القضاء . هكذا نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ونقله الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد عن النص ، واتفق الأصحاب عليه ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=1762_1418وثب لغير حاجة فانكسرت رجله فصلى قاعدا فلا قضاء على أصح الوجهين ، وستأتي المسألة مبسوطة في صفة الصلاة مع نظائرها إن شاء الله تعالى .