الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        هذا وإن للطاغين لشر مآب جهنم يصلونها فبئس المهاد هذا فليذوقوه حميم وغساق وآخر من شكله أزواج هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالو النار قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار إن ذلك لحق تخاصم أهل النار

                                                                                                                                                                                                                                        هذا الجزاء للمتقين ما وصفناه وإن للطاغين أي: المتجاوزين للحد في الكفر والمعاصي لشر مآب أي: لشر مرجع ومنقلب.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 1501 ] ثم فصله فقال: جهنم التي جمع فيها كل عذاب، واشتد حرها، وانتهى قرها يصلونها أي: يعذبون فيها عذابا يحيط بهم من كل وجه، لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل.

                                                                                                                                                                                                                                        فبئس المهاد المعد لهم مسكنا ومستقرا.

                                                                                                                                                                                                                                        هذا المهاد، هذا العذاب الشديد، والخزي والفضيحة والنكال فليذوقوه حميم ماء حار، قد اشتد حره، يشربونه فيقطع أمعاءهم. وغساق وهو أكره ما يكون من الشراب، من قيح وصديد، مر المذاق، كريه الرائحة.

                                                                                                                                                                                                                                        وآخر من شكله أي: من نوعه أزواج أي: عدة أصناف من أصناف العذاب، يعذبون بها ويخزون بها.

                                                                                                                                                                                                                                        وعند تواردهم على النار يشتم بعضهم بعضا، ويقول بعضهم لبعض: هذا فوج مقتحم معكم النار لا مرحبا بهم إنهم صالو النار

                                                                                                                                                                                                                                        قالوا أي: الفوج المقبل المقتحم: بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه أي: العذاب لنا بدعوتكم لنا، وفتنتكم وإضلالكم وتسببكم. فبئس القرار قرار الجميع، قرار السوء والشر.

                                                                                                                                                                                                                                        ثم دعوا على المغوين لهم، فـ قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار

                                                                                                                                                                                                                                        وقال في الآية الأخرى: قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون .

                                                                                                                                                                                                                                        وقالوا وهم في النار ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار أي: كنا نزعم أنهم من الأشرار، المستحقين لعذاب النار، وهم المؤمنون، تفقدهم أهل النار - قبحهم الله - هل يرونهم في النار؟

                                                                                                                                                                                                                                        أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار أي: عدم رؤيتنا لهم دائر بين أمرين: إما أننا غالطون في عدنا إياهم من الأشرار، بل هم من الأخيار، وإنما كلامنا لهم من باب السخرية والاستهزاء بهم، وهذا هو الواقع، كما قال تعالى لأهل النار: إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون

                                                                                                                                                                                                                                        والأمر الثاني أنهم لعلهم زاغت أبصارنا عن رؤيتهم معنا في العذاب وإلا فهم معنا معذبون ولكن تجاوزتهم أبصارنا فيحتمل أن هذا الذي في قلوبهم فتكون العقائد التي اعتقدوها في الدنيا وكثرة ما حكموا لأهل الإيمان بالنار تمكنت من قلوبهم وصارت صبغة لها فدخلوا النار وهم بهذه الحالة فقالوا ما قالوا.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 1502 ] ويحتمل أن كلامهم هذا كلام تمويه كما موهوا في الدنيا موهوا حتى في النار ولهذا يقول أهل الأعراف لأهل النار أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون

                                                                                                                                                                                                                                        قال تعالى مؤكدا ما أخبر به وهو أصدق القائلين إن ذلك الذي ذكرت لكم لحق ما فيه شك ولا مرية تخاصم أهل النار

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية