الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
. قال المصنف رحمه الله تعالى ( nindex.php?page=treesubj&link=23391_23392_26724ومن وجبت عليه الصلاة وامتنع من فعلها فإن كان جاحدا لوجوبها - فهو كافر ويجب قتله بالردة ; لأنه كذب الله تعالى في خبره ، وإن تركها وهو معتقد لوجوبها وجب عليه القتل ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني يضرب ولا يقتل ، والدليل [ ص: 15 ] على أنه يقتل قوله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=12874نهيت عن قتل المصلين } ولأنه إحدى دعائم الإسلام لا تدخله النيابة بنفس ولا مال فيقتل بتركها كالشهادتين ، ومتى يقتل ؟ فيه وجهان قال nindex.php?page=showalam&ids=13785أبو سعيد الإصطخري : يقتل بترك الصلاة الرابعة إذا ضاق وقتها فيقال له : إن صليت وإلا قتلناك ; لأنه يجوز أن يكون ما دون ذلك تركها لعذر . وقال إسحاق يقتل بترك الصلاة الثانية إذا ضاق وقتها ، ويقال له : إن صليت وإلا قتلناك ويستتاب كما يستتاب المرتد ; لأنه ليس بأكثر من المرتد وفي استتابة المرتد قولان ، ( أحدهما ) : ثلاثة أيام ، ( والثاني ) يستتاب في الحال فإن تاب وإلا قتل ، وكيف يقتل ؟ المنصوص أنه يقتل ضربا بالسيف . وقال أبو العباس لا يقصد قتله لكن يضرب بالخشب وينخس بالسيف حتى يصلي أو يموت كما يفعل بمن قصد النفس أو المال ، ولا يكفر بترك الصلاة ; لأن الكفر بالاعتقاد ، واعتقاده صحيح ، فلم يحكم بكفره ، ومن أصحابنا من قال يكفر بتركها لقوله صلى الله عليه وسلم " بين الكفر " والعبد ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر " والمذهب الأول والخبر متأول . )
( الشرح ) أما حديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=12874نهيت عن قتل المصلين } فرواه أبو داود في سننه في كتاب الأدب في باب حكم المخنثين عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة { nindex.php?page=hadith&LINKID=2789أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما بال هذا ؟ فقالوا : يا رسول الله يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى النقيع فقالوا : يا رسول الله ألا تقتله ؟ فقال : إني نهيت عن قتل المصلين } وإسناده ضعيف فيه مجهول ، والنقيع بالنون الحمى المذكور في باب إحياء الموات ، وروى هذا الحديث nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من رواية عبد الله بن عدي بن الخيار عن عبد الله بن عدي الأنصاري الصحابي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه ، ورواه مرسلا عن عبيد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وأما حديث " { nindex.php?page=hadith&LINKID=16468بين الكفر والعبد ترك الصلاة } فصحيح رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بمعناه كما سنذكره في فرع مذاهب العلماء .
أما قول المصنف : ( لأنه إحدى دعائم الإسلام لا تدخله النيابة بنفس ولا مال فيقتل بتركها كالشهادتين ) فالضمير في قوله : ( لأنه ) يعود إلى [ ص: 16 ] فرض الصلاة المعلوم من سياق الكلام وإن لم يذكر بلفظه ، والدعائم : القواعد واحدتها : دعامة بكسر الدال ، وقوله : لا تدخله النيابة بنفس ولا مال احتراز من الزكاة والصوم والحج فإنه لا يقتل بترك واحد منها ولا بتركها كلها .
( وأما حكم الفصل ) ففيه مسائل ( إحداها ) إذا nindex.php?page=treesubj&link=23391_26724_10018ترك الصلاة جاحدا لوجوبها أو جحد وجوبها ولم يترك فعلها في الصورة فهو كافر مرتد بإجماع المسلمين ويجب على الإمام قتله بالردة إلا أن يسلم ، ويترتب عليه جميع أحكام المرتدين ، وسواء كان هذا الجاحد رجلا أو امرأة ، هذا إذا كان قد نشأ بين المسلمين ، فأما من كان قريب العهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة من المسلمين بحيث يجوز أن يخفى عليه وجوبها فلا يكفر بمجرد الجحد ، بل نعرفه وجوبها فإن جحد بعد ذلك كان مرتدا فإن قيل : كيف أهمل المصنف هذا القيد وهو كونه نشأ بين المسلمين مع أنه شرط بلا خلاف ؟ فالجواب أن في لفظه ما يقتضي اشتراطه ، وهو قوله : ( فإن كان جاحدا ) ; لأن الجاحد عند أهل اللغة من أنكر شيئا سبق اعترافه به . هكذا صرح به صاحب المجمل وغيره ، وقد أوضحته في تهذيب الأسماء .
( فرع ) من nindex.php?page=treesubj&link=10018_9963جحد وجوب صوم رمضان أو الزكاة أو الحج أو نحوها من واجبات الإسلام أو جحد تحريم الزنا أو الخمر ونحوهما من المحرمات المجمع عليها فإن كان مما اشتهر واشترك الخواص أو العوام في معرفته كالخمر والزنا فهو مرتد ، وإن كان مجمعا عليه لكن لا يعرفه إلا الخواص كاستحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب ، وتحريم نكاح المعتدة ، وكإجماع أهل عصر على حكم حادثة لم يكفر بجحده ; لأنه معذور بل نعرفه الصواب ليعتقده ، هذا هو الصحيح في المسألة وفيها زيادة سنوضحها في كتاب الردة إن شاء الله تعالى . .
( المسألة الثانية ) من nindex.php?page=treesubj&link=23392_10018_20499_1418_26724_9963ترك الصلاة غير جاحد قسمان : أحدهما تركها لعذر كنوم ونحوهما فعليه القضاء فقط ، ووقته موسع ولا إثم [ ص: 17 ] عليه . والثاني : تركها بلا عذر تكاسلا وتهاونا فيأثم بلا شك ويجب قتله إذا أصر ، وهل يكفر ؟ فيه وجهان حكاهما المصنف وغيره ، أحدهما يكفر ، قال العبدري : وهو قول منصور الفقيه من أصحابنا وحكاه المصنف في كتابه في الخلاف عن أبي الطيب بن سلمة من أصحابنا ، والثاني : لا يكفر وهو الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور ، وقد ذكر المصنف دليلهما وسنوضحه في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى . وقال nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني يحبس ويؤدب ولا يقتل ، وإذا قلنا يقتل فمتى يقتل ؟ فيه خمسة أوجه الصحيح يقتل بترك صلاة واحدة إذا ضاق وقتها ، وهذا هو الذي اختاره المصنف في التنبيه ، ولم يذكره هنا . والثاني : إذا ضاق وقت الثانية . والثالث : إذا ضاق وقت الرابعة ، والرابع إذا ترك أربع صلوات . والخامس : إذا ترك من الصلوات قدرا يظهر لنا به اعتياده الترك وتهاونه بالصلاة . والمذهب الأول ، وعلى هذا قال أصحابنا : الاعتبار بإخراج الصلاة عن وقت الضرورة ، فإذا ترك الظهر لم يقتل حتى تغرب الشمس ، وإذا ترك المغرب لم يقتل حتى يطلع الفجر . قال الرافعي هكذا حكاه الصيدلاني وتابعه عليه الأئمة .
( المسألة الثالثة ) قال أصحابنا : على الأوجه كلها لا يقتل حتى يستتاب ، وهل تكفي الاستتابة في الحال ؟ أم يجب استتابته ثلاثة أيام ؟ فيه قولان ، قال صاحب العدة وغيره الأصح أنه في الحال ، والقولان في استحباب الاستتابة على الأصح وقيل في وجوبها .
( الرابعة ) الصحيح المنصوص عليه في البويطي أنه يقتل بالسيف ضربا للرقبة كما يقتل المرتد وفيه وجه أنه ينخس بحديدة أو يضرب بخشبة ، ويقال له : صل وإلا قتلناك ولا يزال يكرر عليه حتى يصلي أو يموت ، وهذا قول ابن سريج كما حكاه المصنف والأصحاب .
( فرع ) إذا قتل فالصحيح أنه يغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين ويرفع قبره كغيره ، وفيه خلاف سنذكره في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى .
( فرع ) إذا nindex.php?page=treesubj&link=23391_9963أراد السلطان قتله فقال : صليت في بيتي تركه ; لأنه أمين على صلاته ، صرح به صاحب التهذيب وغيره ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=23392_1403_26724_9963ترك الصلاة وقال : [ ص: 18 ] تركتها ناسيا أو للبرد أو لعدم الماء أو لنجاسة كانت علي ونحو ذلك من الأعذار صحيحة كانت الأعذار أم باطلة قال صاحب التتمة : يقال له : صل فإن امتنع لم يقتل على المذهب ; لأن القتل يستحق بسبب تعمد تأخيرها عن الوقت ، ولم يتحقق ذلك . وفيه وجه أنه يقتل لعناده ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=23391_26724_9963قال : تعمدت تركها ولا أريد فعلها قتل بلا خلاف ، وإن قال : تعمدت تركها بلا عذر ولم يقل ولا أصليها قتل أيضا على الصحيح لتحقق جنايته ، وفيه وجه أنه لا يقتل ما لم يصرح بترك القضاء .
. ( فرع ) لو nindex.php?page=treesubj&link=10022_9963امتنع من فعل الوضوء قتل على الصحيح ; لأن الصلاة لا تصح إلا به وفيه وجه حكاه الرافعي أنه لا يقتل .
( فرع ) لو nindex.php?page=treesubj&link=905_26192امتنع من صلاة الجمعة وقال : أصليها ظهرا بلا عذر فقد جزم الغزالي في الفتاوى بأنه لا يقتل ; لأنه لا يقتل بترك الصوم ، فالجمعة أولى ; لأن لها بدلا وتسقط بأعذار كثيرة ، وتابع الرافعي الغزالي على هذا فحكاه عنه ، واقتصر عليه وجزم الشاشي في فتاويه بأنه يقتل بترك الجمعة وإن كان يصليها ظهرا ; لأنه لا يتصور قضاؤها ، وليست الظهر قضاء عنها . واختار الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=12795أبو عمرو بن الصلاح ما قاله الشاشي وبسط القول في أدلته وقرره تقريرا حسنا في فتاويه .
. ( فرع ) لو nindex.php?page=treesubj&link=4180امتنع من فعل الصلاة المنذورة لم يقتل . ذكره صاحب البيان وغيره
. ( فرع ) لو nindex.php?page=treesubj&link=9151_9152_23391قتل إنسان تارك الصلاة في مدة الاستتابة فقد ذكر صاحب البيان أنه يأثم ولا ضمان عليه كقاتل المرتد ، وكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=15021القفال في الفتاوى : إنه لا قصاص فيه قال الرافعي وليكن هذا جوابا على الصحيح المنصوص في الزاني المحصن أنه لا قصاص في قتله ، قال nindex.php?page=showalam&ids=15021القفال فلو جن قبل فعلها لم يقتل في حال الجنون ، فلو قتله إنسان لزمه القصاص ، وكذا لو سكر ، ولو جن المرتد أو سكر فقتله رجل فلا قصاص لقيام الكفر . .
( فرع ) في الإشارة إلى بعض ما جاء في nindex.php?page=treesubj&link=24589فضل الصلوات الخمس ، فمن ذلك ما ذكرناه في الفرع قبله ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { nindex.php?page=hadith&LINKID=806أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء ؟ قالوا : لا يبقى من درنه شيء ، قال : فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم . وعن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=34924مثل الصلوات الخمس كمثل نهر غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات } رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=14513الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر } رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، وعن أبي موسى أن رسول [ ص: 21 ] الله صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=36679من صلى البردين دخل الجنة } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم : البردان الصبح والعصر وستأتي جملة من الأحاديث في نحو هذا في أول باب صلاة الجماعة إن شاء الله تعالى .