الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية : قوله تعالى : { لمسجد أسس على التقوى } : اختلف فيه ، فقيل : هو مسجد قباء ; يروى عن جماعة منهم ابن عباس ، والحسن .

                                                                                                                                                                                                              وتعلقوا بقوله : { من أول يوم } ومسجد قباء كان في أول يوم أسس بالمدينة .

                                                                                                                                                                                                              [ ص: 584 ] وقيل : هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ; قاله ابن عمر ، وابن المسيب .

                                                                                                                                                                                                              وقال ابن وهب عن مالك وأشهب عنه قال مالك : المسجد الذي ذكر الله أنه أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ; إذ كان يقوم رسول الله ويأتيه أولئك من هنالك .

                                                                                                                                                                                                              وقال الله تعالى : { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما } هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزع مالك باستواء اللفظين ; فإنه قال في ذلك تقوم فيه .

                                                                                                                                                                                                              وقال في هذا قائما ; فكانا واحدا ، وهذه نزعة غريبة ، وكذلك روى عنه ابن القاسم أنه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                              وقد روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال : { تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم ; فقال رجل : هو مسجد قباء ; وقال آخر : هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو مسجدي هذا } . قال أبو عيسى : هذا حديث صحيح ، وجزم مسلم أيضا بمثله .

                                                                                                                                                                                                              فإن قيل ، وهي : المسألة الثالثة : فقوله : { فيه فيه } : ضميران يرجعان إلى مضمر واحد بغير نزاع ، وضمير الظرف الذي يقتضي الرجال المتطهرين هو مسجد قباء ; فذلك الذي أسس على التقوى ، وهو مسجد قباء .

                                                                                                                                                                                                              والدليل على أن ضمير الرجال المتطهرين هو ضمير مسجد قباء حديث أبي هريرة ; قال : نزلت هذه الآية في أهل قباء : { فيه رجال يحبون أن يتطهروا } .

                                                                                                                                                                                                              قال : كانوا يستنجون بالماء ، فنزلت هذه الآية فيهم .

                                                                                                                                                                                                              وقال قتادة { : لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل قباء : إن الله قد أحسن عليكم الثناء في الطهور ; فما تصنعون ؟ فقالوا : إنا نغسل أثر الغائط والبول بالماء } . [ ص: 585 ] قلنا : هذا حديث لم يصح . والصحيح هو الأول .

                                                                                                                                                                                                              وقد اختلف في الطهارة المثنى بها على أقوال لا تعلق لها بما نحن فيه ، كالتطهر بالتوبة من وطء النساء في أدبارهن وشبهه .

                                                                                                                                                                                                              فأما قوله : { من أول يوم } فإنما معناه أنه أسس على التقوى من أول مبتدأ تأسيسه أي لم يشرع فيه ، ولا وضع حجر على حجر منه إلا على اعتقاد التقوى .

                                                                                                                                                                                                              والذين كانوا يتطهرون ، وأثنى الله عليهم جملة من الصحابة كانوا يحتاطون على العبادة والنظافة ، فيمسحون من الغائط والبول بالحجارة تنظيفا لأعضائهم ، ويغتسلون بالماء تماما لعبادتهم ، وكمالا لطاعتهم .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية