الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير ) .

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أنه تعالى لما بالغ في التحريض على بذل النفس في الجهاد في الآيات المتقدمة شرع ههنا في التحريض على بذل المال في الجهاد ، وبين الوعيد الشديد لمن يبخل ببذل المال في سبيل الله ، وفي الآية مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قرأ حمزة " ولا تحسبن " بالتاء ، والباقون بالياء ، أما قراءة حمزة بالتاء المنقطة من فوق فقال الزجاج : معناه ولا تحسبن بخل الذين يبخلون خيرا لهم ، فحذف المضاف لدلالة يبخلون عليه ، وأما من قرأ بالياء المنقطة من تحت ففيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن يكون فاعل " يحسبن " ضمير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو ضمير أحد ، والتقدير : ولا يحسبن رسول الله أو لا يحسبن أحد بخل الذين يبخلون خيرا لهم ، وإنما جاز حذفه لدلالة يبخلون عليه ، كقوله : من كذب كان شرا له ، أي الكذب ، ومثله :


                                                                                                                                                                                                                                            إذا نهي السفيه جرى إليه



                                                                                                                                                                                                                                            أي السفه . وأنشد الفراء :


                                                                                                                                                                                                                                            هم الملوك وأبناء الملوك هم     والآخذون به والسادة الأول



                                                                                                                                                                                                                                            فقوله " به " يريد بالملك ، ولكنه اكتفى عنه بذكر الملوك .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 92 ] المسألة الثانية : هو في قوله : ( هو خيرا لهم ) تسميه البصريون فصلا ، والكوفيون عمادا ، وذلك لأنه لما ذكر " يبخلون " فهو بمنزلة ما إذا ذكر البخل ، فكأنه قيل : ولا يحسبن الذين يبخلون البخل خيرا لهم ، وتحقيق القول فيه أن للمبتدأ حقيقة ، وللخبر حقيقة ، وكون حقيقة المبتدأ موصوفا بحقيقة الخبر أمر زائد على حقيقة المبتدأ وحقيقة الخبر ، فإذا كانت هذه الموصوفية أمرا زائدا على الذاتين فلا بد من صيغة ثالثة دالة على هذه الموصوفية وهي كلمة " هو " .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية