(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11nindex.php?page=treesubj&link=13650_28975آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما ) .
اعلم أن هذا كلام معترض بين ذكر الوارثين وأنصبائهم وبين قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11فريضة من الله ) ومن حق الاعتراض أن يكون ما اعترض مؤكدا ما اعترض بينه ومناسبه ، فنقول : إنه تعالى لما ذكر أنصباء الأولاد
[ ص: 177 ] وأنصباء الأبوين ، وكانت تلك الأنصباء مختلفة والعقول لا تهتدي إلى كمية تلك التقديرات ، والإنسان ربما خطر بباله أن القسمة لو وقعت على غير هذا الوجه كانت أنفع له وأصلح ، لا سيما وقد كانت قسمة العرب للمواريث على هذا الوجه ، وأنهم كانوا يورثون الرجال الأقوياء ، وما كانوا يورثون الصبيان والنسوان والضعفاء ، فالله تعالى أزال هذه الشبهة بأن قال : إنكم تعلمون أن عقولكم لا تحيط بمصالحكم ، فربما اعتقدتم في شيء أنه صالح لكم وهو عين المضرة وربما اعتقدتم فيه أنه عين المضرة ، ويكون عين المصلحة ، وأما الإله الحكيم الرحيم فهو العالم بمغيبات الأمور وعواقبها ، فكأنه قيل : أيها الناس اتركوا تقدير المواريث بالمقادير التي تستحسنها عقولكم ، وكونوا مطيعين لأمر الله في هذه التقديرات التي قدرها لكم ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ) إشارة إلى ترك ما يميل إليه الطبع من قسمة المواريث على الورثة ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11فريضة من الله ) إشارة إلى وجوب الانقياد لهذه القسمة التي قدرها الشرع وقضى بها ، وذكروا في المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11أيهم أقرب لكم نفعا ) وجوها :
الأول : المراد أقرب لكم نفعا في الآخرة ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : إن الله ليشفع بعضهم في بعض ، فأطوعكم لله عز وجل من الأبناء والآباء أرفعكم درجة في الجنة ، وإن كان الوالد أرفع درجة في الجنة من ولده رفع الله إليه ولده بمسألته ليقر بذلك عينه ، وإن كان الولد أرفع درجة من والديه رفع الله إليه والديه ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ) ؛ لأن أحدهما لا يعرف أن انتفاعه في الجنة بهذا أكثر أم بذلك .
الثاني : المراد كيفية انتفاع بعضهم ببعض في الدنيا من جهة ما أوجب من الإنفاق عليه والتربية له والذب عنه والثالث : المراد جواز أن يموت هذا قبل ذلك فيرثه وبالضد .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11فريضة من الله ) هو منصوب نصب المصدر المؤكد أي فرض ذلك فرضا (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11إن الله كان عليما حكيما ) ، والمعنى أن قسمة الله لهذه المواريث أولى من القسمة التي تميل إليها طباعكم ، لأنه تعالى عالم بجميع المعلومات ، فيكون عالما بما في قسمة المواريث من المصالح والمفاسد ، وأنه حكيم لا يأمر إلا بما هو الأصلح الأحسن ، ومتى كان الأمر كذلك كانت قسمته لهذه المواريث أولى من القسمة التي تريدونها ، وهذا نظير قوله للملائكة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30إني أعلم ما لا تعلمون ) [ البقرة : 30 ] .
فإن قيل : لم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11كان عليما حكيما ) مع أنه الآن كذلك .
قلنا : قال
الخليل : الخبر عن الله بهذه الألفاظ كالخبر بالحال والاستقبال ، لأنه تعالى منزه عن الدخول تحت الزمان ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : القوم لما شاهدوا علما وحكمة وفضلا وإحسانا تعجبوا ، فقيل لهم : إن الله كان كذلك ، ولم يزل موصوفا بهذه الصفات .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11nindex.php?page=treesubj&link=13650_28975آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ) .
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا كَلَامٌ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ ذِكْرِ الْوَارِثِينَ وَأَنْصِبَائِهِمْ وَبَيْنَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ) وَمِنْ حَقِّ الِاعْتِرَاضِ أَنْ يَكُونَ مَا اعْتَرَضَ مُؤَكِّدًا مَا اعْتَرَضَ بَيْنَهُ وَمُنَاسِبَهُ ، فَنَقُولُ : إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ أَنْصِبَاءَ الْأَوْلَادِ
[ ص: 177 ] وَأَنْصِبَاءَ الْأَبَوَيْنِ ، وَكَانَتْ تِلْكَ الْأَنْصِبَاءُ مُخْتَلِفَةً وَالْعُقُولُ لَا تَهْتَدِي إِلَى كَمِّيَّةِ تِلْكَ التَّقْدِيرَاتِ ، وَالْإِنْسَانُ رُبَّمَا خَطَرَ بِبَالِهِ أَنَّ الْقِسْمَةَ لَوْ وَقَعَتْ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ كَانَتْ أَنْفَعَ لَهُ وَأَصْلَحَ ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ كَانَتْ قِسْمَةُ الْعَرَبِ لِلْمَوَارِيثِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُوَرِّثُونَ الرِّجَالَ الْأَقْوِيَاءَ ، وَمَا كَانُوا يُوَرِّثُونَ الصِّبْيَانَ وَالنِّسْوَانِ وَالضُّعَفَاءَ ، فَاللَّهُ تَعَالَى أَزَالَ هَذِهِ الشُّبْهَةَ بِأَنْ قَالَ : إِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ عُقُولَكُمْ لَا تُحِيطُ بِمَصَالِحِكُمْ ، فَرُبَّمَا اعْتَقَدْتُمْ فِي شَيْءٍ أَنَّهُ صَالِحٌ لَكُمْ وَهُوَ عَيْنُ الْمَضَرَّةِ وَرُبَّمَا اعْتَقَدْتُمْ فِيهِ أَنَّهُ عَيْنُ الْمَضَرَّةِ ، وَيَكُونُ عَيْنَ الْمَصْلَحَةِ ، وَأَمَّا الْإِلَهُ الْحَكِيمُ الرَّحِيمُ فَهُوَ الْعَالِمُ بِمُغَيَّبَاتِ الْأُمُورِ وَعَوَاقِبِهَا ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ : أَيُّهَا النَّاسُ اتْرُكُوا تَقْدِيرَ الْمَوَارِيثِ بِالْمَقَادِيرِ الَّتِي تَسْتَحْسِنُهَا عُقُولُكُمْ ، وَكُونُوا مُطِيعِينَ لِأَمْرِ اللَّهِ فِي هَذِهِ التَّقْدِيرَاتِ الَّتِي قَدَّرَهَا لَكُمْ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ) إِشَارَةٌ إِلَى تَرْكِ مَا يَمِيلُ إِلَيْهِ الطَّبْعُ مِنْ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ عَلَى الْوَرَثَةِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ) إِشَارَةٌ إِلَى وُجُوبِ الِانْقِيَادِ لِهَذِهِ الْقِسْمَةِ الَّتِي قَدَّرَهَا الشَّرْعُ وَقَضَى بِهَا ، وَذَكَرُوا فِي الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ) وُجُوهًا :
الْأَوَّلُ : الْمُرَادُ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فِي الْآخِرَةِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : إِنَّ اللَّهَ لَيُشَفِّعُ بَعْضَهُمْ فِي بَعْضٍ ، فَأَطْوَعُكُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْأَبْنَاءِ وَالْآبَاءِ أَرْفَعُكُمْ دَرَجَةً فِي الْجَنَّةِ ، وَإِنْ كَانَ الْوَالِدُ أَرْفَعَ دَرَجَةً فِي الْجَنَّةِ مِنْ وَلَدِهِ رَفَعَ اللَّهُ إِلَيْهِ وَلَدَهُ بِمَسْأَلَتِهِ لِيُقِرَّ بِذَلِكَ عَيْنَهُ ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ أَرْفَعَ دَرَجَةً مِنْ وَالِدَيْهِ رَفَعَ اللَّهُ إِلَيْهِ وَالِدَيْهِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ) ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَعْرِفُ أَنَّ انْتِفَاعَهُ فِي الْجَنَّةِ بِهَذَا أَكْثَرُ أَمْ بِذَلِكَ .
الثَّانِي : الْمُرَادُ كَيْفِيَّةُ انْتِفَاعِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ فِي الدُّنْيَا مِنْ جِهَةِ مَا أَوْجَبَ مِنَ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَالتَّرْبِيَةِ لَهُ وَالذَّبِّ عَنْهُ وَالثَّالِثُ : الْمُرَادُ جَوَازُ أَنْ يَمُوتَ هَذَا قَبْلَ ذَلِكَ فَيَرِثُهُ وَبِالضِّدِّ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ) هُوَ مَنْصُوبٌ نَصْبَ الْمَصْدَرِ الْمُؤَكِّدِ أَيْ فَرَضَ ذَلِكَ فَرْضًا (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ) ، وَالْمَعْنَى أَنَّ قِسْمَةَ اللَّهِ لِهَذِهِ الْمَوَارِيثِ أَوْلَى مِنَ الْقِسْمَةِ الَّتِي تَمِيلُ إِلَيْهَا طِبَاعُكُمْ ، لِأَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ ، فَيَكُونُ عَالِمًا بِمَا فِي قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ مِنَ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ ، وَأَنَّهُ حَكِيمٌ لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِمَا هُوَ الْأَصْلَحُ الْأَحْسَنُ ، وَمَتَى كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَانَتْ قِسْمَتُهُ لِهَذِهِ الْمَوَارِيثِ أَوْلَى مِنَ الْقِسْمَةِ الَّتِي تُرِيدُونَهَا ، وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ لِلْمَلَائِكَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) [ الْبَقَرَةِ : 30 ] .
فَإِنْ قِيلَ : لِمَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ) مَعَ أَنَّهُ الْآنَ كَذَلِكَ .
قُلْنَا : قَالَ
الْخَلِيلُ : الْخَبَرُ عَنِ اللَّهِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ كَالْخَبَرِ بِالْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ ، لِأَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الدُّخُولِ تَحْتَ الزَّمَانِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : الْقَوْمُ لَمَّا شَاهَدُوا عِلْمًا وَحِكْمَةً وَفَضْلًا وَإِحْسَانًا تَعَجَّبُوا ، فَقِيلَ لَهُمْ : إِنَّ اللَّهَ كَانَ كَذَلِكَ ، وَلَمْ يَزَلْ مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ .