الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            [ ما أصاب المستهزئين ]

            قال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير ، أو غيره من العلماء : أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم يطوفون بالبيت ، فقام وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ، فمر به الأسود بن المطلب ، فرمى في وجهه بورقة خضراء ، فعمي . ومر به الأسود بن عبد يغوث ، فأشار إلى بطنه ، فاستسقى ( بطنه ) فمات منه حبنا ومر به الوليد بن المغيرة ، فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله ، كان أصابه قبل ذلك بسنين وهو يجر سبله ، وذلك أنه مر برجل من خزاعة وهو يريش نبلا له ، فتعلق سهم من نبله بإزاره ، فخدش في رجله ذلك الخدش ، وليس بشيء ، فانتقض به فقتله . ومر به العاص بن وائل ، فأشار إلى أخمص رجله وخرج على حمار له يريد الطائف ، فربض به على شبارقة فدخلت في أخمص رجله شوكة فقتلته . ومر به الحارث بن الطلاطلة ، فأشار إلى رأسه ، فامتخض قيحا ، فقتله . ما أصاب الأسود بن عبد يغوث بن وهب وقال في الكامل: الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة ، وهو ابن خال النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان من المستهزئين ، وكان إذا رأى فقراء المسلمين قال لأصحابه : هؤلاء ملوك الأرض الذين يرثون ملك كسرى . وكان يقول للنبي - صلى الله عليه وسلم : أما كلمت اليوم من السماء يا محمد ! وما أشبه ذلك . فخرج من أهله فأصابه السموم فاسود وجهه ، فلما عاد إليهم لم يعرفوه وأغلقوا الباب دونه ، فرجع متحيرا حتى مات عطشا . وقيل : إن جبرائيل أومأ إلى السماء فأصابته الأكلة فامتلأ قيحا فمات . وروى ابن أبي حاتم والبلاذري بسند صحيح عن عكرمة أن جبريل حنى ظهر الأسود حتى احقوقف صدره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خالي خالي . فقال : دعه عنك يا محمد فقد كفيته . ما أصاب الحارث بن قيس السهمي وفيه نزلت : أرأيت من اتخذ إلهه هواه أي مهويه قدم المفعول الثاني لأنه أهم وجملة من مفعول أول لأرأيت أفأنت تكون عليه وكيلا [الفرقان 43] حافظا تحفظه من اتباع هواه لا .

            وكان يقول : لقد غر محمد نفسه وأصحابه أن وعدهم أن يحيوا بعد الموت ، والله ما يهلكنا إلا الدهر ومرور الأيام والأحداث . فأكل حوتا مملوحا فلم يزل يشرب عليه الماء حتى انقد بطنه . ويقال إنه أصابته الذبحة . وقال بعضهم : امتخض رأسه قيحا . ما أصاب الأسود بن المطلب بن أسد قال البلاذري رحمه الله : كان هو وأصحابه يتغامزون بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويقولون : قد جاءكم ملوك الأرض ومن يغلب على كنوز كسرى وقيصر ثم يمكون ويصفرون . وكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلام شق عليه فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعمي الله بصره ويثكله ولده فخرج يستقبل ابنه وقد قدم من الشام ، فلما كان ببعض الطريق جلس في ظل شجرة فجعل جبريل صلى الله عليه وسلم يضرب وجهه وعينيه بورقة من ورقها خضراء وبشوك من شوكها حتى عمي فجعل يستغيث بغلامه . فقال له غلامه : ما أرى أحدا يصنع بك شيئا غير نفسك . ويقال إن جبريل صلى الله عليه وسلم أومأ إلى عينيه فعمي فشغل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولما كان يوم بدر قتل ابنه زمعة بن الأسود ، قتله أبو دجانة ويقال قتله ثابت بن الجذع ، قتل ابنه عقيل أيضا ، قتله حمزة بن عبد المطلب وعلي رضي الله عنهما اشتركا فيه . وقيل قتله علي وحده رضي الله عنه . ما أصاب مالك بن الطلاطلة مالك بن الطلاطلة - بطائين مهملتين الأولى مضمومة والثانية مكسورة- ابن عمرو بن غبشان - بضم الغين المعجمة وسكون الباء الموحدة بعدها شين معجمة- ذكره فيهم ابن الكلبي والبلاذري ، وكان سفيها فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعاذ بالله من شره فعصر جبريل بطنه حتى خرج خلاؤه من بطنه فمات . ما جاء فيما أصاب الحكم بن أبي العاصي بن أمية الحكم بن أبي العاصي بن أمية .

            قال البلاذري : كان ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتمه ويسمعه ما يكره ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي ذات يوم وهو خلفه يخلج بأنفه وفمه فبقي على ذلك ، وأظهر الإسلام يوم الفتح وكان مغموصا عليه في دينه ، - فاطلع يوما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بعض حجر نسائه فخرج إليه بعنزة وقال : من عذيري من هذا الوزغة؟ لو أدركته لفقأت عينه أو كما قال صلى الله عليه وسلم . ولعنه وما ولد وغربه من المدينة فلم يزل خارجا منها إلى أن مات عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

            قلت : وروى أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كان رجل خلف النبي صلى الله عليه وسلم يحاكيه ويلمض فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال كذلك كن . فرجع إلى أهله فلبط به مغشيا عليه شهرا ثم أفاق حين أفاق وهو كما يحاكي رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهذا المبهم الظاهر أنه الحكم . وذكر البلاذري ممن كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبو الأصداء وكان يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يعلمك أهل الكتاب أساطيرهم ويقول الناس هو معلم مجنون فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لعلى جبل إذ اجتمعت عليه الأروى فنطحته حتى قتلتهوذكر ابن إسحاق فيهم : أمية بن خلف الجمحي .

            قال ابن إسحاق : وكان إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم همزه ولمزه فأنزل الله سبحانه وتعالى : ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالا وعدده .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية