الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            قال ابن إسحاق : فعمل المسلمون فيه حتى أحكموه ، وارتجزوا فيه برجل من المسلمين يقال له : جعيل . سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرا ، فقالوا فيما يقولون :


            سماه من بعد جعيل عمرا وكان للبائس يوما ظهرا

            وكانوا إذا قالوا عمرا . قال معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عمرا " وإذا قالوا : ظهرا . قال لهم : " ظهرا " . .

            وقد قال البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا معاوية بن عمرو ، حدثنا أبو إسحاق ، عن حميد ، سمعت أنسا ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق ، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة ، ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم ، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال : " اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجره فقالوا مجيبين له :


            نحن الذين بايعوا محمدا     على الجهاد ما بقينا أبدا

            وفي " الصحيحين " من حديث شعبة ، عن معاوية بن قرة ، عن أنس ، نحوه وقد رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة ، عن ثابت ، وحميد ، عن أنس بنحوه .

            وقال البخاري : حدثنا أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث ، عن عبد العزيز ، عن أنس قال : جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينة وينقلون التراب على متونهم ، ويقولون :


            نحن الذين بايعوا محمدا     على الجهاد ما بقينا أبدا

            قال : يقول النبي صلى الله عليه وسلم يجيبهم : اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة ، فبارك في الأنصار والمهاجره قال : يؤتون بملء كفي من الشعير ، فيصنع لهم بإهالة سنخة توضع بين يدي القوم والقوم جياع ، وهي بشعة في الحلق ، ولها ريح منتن .

            وقال البخاري : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق ، وهم يحفرون ، ونحن ننقل التراب على أكتادنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم لا عيش إلا عيش الآخره فاغفر للمهاجرين والأنصار ورواه مسلم ، عن القعنبي ، عن عبد العزيز ، به .

            وقال البخاري : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل التراب يوم الخندق حتى أغمر بطنه - أو اغبر بطنه - يقول :


            والله لولا الله ما اهتدينا     ولا تصدقنا ولا صلينا
            فأنزلن سكينة علينا     وثبت الأقدام إن لاقينا
            إن الألى قد بغوا علينا     إذا أرادوا فتنة أبينا

            ورفع بها صوته : " أبينا أبينا
            ورواه مسلم ، من حديث شعبة به .

            ثم قال البخاري : حدثنا أحمد بن عثمان ، حدثنا شريح بن مسلمة ، حدثني إبراهيم بن يوسف ، حدثني أبي ، عن أبي إسحاق ، عن البراء يحدث قال : لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى عني التراب جلدة بطنه ، وكان كثير الشعر ، فسمعته يرتجز بكلمات عبد الله بن رواحة ، وهو ينقل من التراب يقول :


            اللهم لولا أنت ما اهتدينا     ولا تصدقنا ولا صلينا
            فأنزلن سكينة علينا     وثبت الأقدام إن لاقينا
            إن الألى قد بغوا علينا     وإن أرادوا فتنة أبينا

            ثم يمد صوته بآخرها
            .

            وقال البيهقي في " الدلائل " : أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ، أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار ، حدثنا إسماعيل بن الفضل البلخي حدثنا إبراهيم بن يوسف البلخي ، حدثنا المسيب بن شريك ، عن زياد بن أبي زياد ، عن أبي عثمان ، عن سلمان ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب في الخندق وقال :

            بسم الله وبه هدينا ولو عبدنا غيره شقينا يا حبذا ربا وحب دينا
            وهذا حديث غريب من هذا الوجه . وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان ، حدثنا شعبة ، عن معاوية بن قرة ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ، وهم يحفرون الخندق : " اللهم لا خير إلا خير الآخرة فأصلح الأنصار والمهاجرة " وأخرجاه في " الصحيحين " من حديث غندر ، عن شعبة . فصل ( فيما قيل من الأشعار في الخندق وبني قريظة )

            قال البخاري : حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا شعبة ، حدثنا عدي بن ثابت ، أنه سمع البراء بن عازب قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان : اهجهم - أو هاجهم - وجبريل معك .

            قال البخاري : وزاد إبراهيم بن طهمان ، عن الشيباني ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء بن عازب قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة لحسان بن ثابت : اهج المشركين ، فإن جبريل معك وقد رواه البخاري أيضا ، ومسلم والنسائي ، من طرق ، عن شعبة بدون الزيادة التي ذكرها البخاري يوم بني قريظة .

            قال ابن إسحاق رحمه الله : وقال ضرار بن الخطاب بن مرداس ، أخو بني محارب بن فهر في يوم الخندق - قلت : وذلك قبل إسلامه - :


            ومشفقة تظن بنا الظنونا     وقد قدنا عرندسة طحونا
            كأن زهاءها أحد إذا ما بدت أركانه للناظرينا     ترى الأبدان فيها مسبغات
            على الأبطال واليلب الحصينا     وجردا كالقداح مسومات
            نؤم بها الغواة الخاطئينا     كأنهم إذا صالوا وصلنا
            بباب الخندقين مصافحونا     أناس لا نرى فيهم رشيدا
            وقد قالوا ألسنا راشدينا     فأحجرناهم شهرا كريتا
            وكنا فوقهم كالقاهرينا     نراوحهم ونغدو كل يوم
            عليهم في السلاح مدججينا     بأيدينا صوارم مرهفات
            نقد بها المفارق والشئونا     كأن وميضهن معريات
            إذا لاحت بأيدي مصلتينا     وميض عقيقة لمعت بليل
            ترى فيها العقائق مستبينا     فلولا خندق كانوا لديه
            لدمرنا عليهم أجمعينا     ولكن حال دونهم وكانوا
            به من خوفنا متعوذينا     فإن نرحل فإنا قد تركنا
            لدى أبياتكم سعدا رهينا     إذا جن الظلام سمعت نوحى
            على سعد يرجعن الحنينا     وسوف نزوركم عما قريب
            كما زرناكم متوازرينا     بجمع من كنانة غير عزل
            كأسد الغاب إذ حمت العرينا

            قال : فأجابه كعب بن مالك أخو بني سلمة ، رضي الله عنه ، فقال :


            وسائلة تسائل ما لقينا     ولو شهدت رأتنا صابرينا
            صبرنا لا نرى لله عدلا     على ما نابنا متوكلينا
            وكان لنا النبي وزير صدق     به نعلو البرية أجمعينا
            نقاتل معشرا ظلموا وعقوا     وكانوا بالعداوة مرصدينا
            نعالجهم إذا نهضوا إلينا     بضرب يعجل المتسرعينا
            ترانا في فضافض سابغات     كغدران الملا متسربلينا
            وفي أيماننا بيض خفاف     بها نشفي مراح الشاغبينا
            بباب الخندقين كأن أسدا     شوابكهن يحمين العرينا
            فوارسنا إذا بكروا وراحوا     على الأعداء شوسا معلمينا
            لننصر أحمدا والله حتى     نكون عباد صدق مخلصينا
            ويعلم أهل مكة حين ساروا     وأحزاب أتوا متحزبينا
            بأن الله ليس له شريك     وأن الله مولى المؤمنينا
            فإما تقتلوا سعدا سفاها     فإن الله خير القادرينا
            سيدخله جنانا طيبات     تكون مقامة للصالحينا
            كما قد ردكم فلا شريدا     بغيظكم خزايا خائبينا
            خزايا لم تنالوا ثم خيرا     وكدتم أن تكونوا دامرينا
            بريح عاصف هبت عليكم     فكنتم تحتها متكمهينا

            قال ابن إسحاق : وقال عبد الله بن الزبعرى السهمي في يوم الخندق قلت - وذلك قبل أن يسلم - :


            حي الديار محا معارف رسمها     طول البلى وتراوح الأحقاب
            فكأنما كتب اليهود رسومها     إلا الكنيف ومعقد الأطناب
            قفرا كأنك لم تكن تلهو بها     في نعمة بأوانس أتراب
            فاترك تذكر ما مضى من عيشة     ومحلة خلق المقام يباب
            واذكر بلاء معاشر واشكرهم     ساروا بأجمعهم من الأنصاب
            أنصاب مكة عامدين ليثرب     في ذي غياطل جحفل جبجاب
            يدع الحزون مناهجا معلومة     في كل نشز ظاهر وشعاب
            فيها الجياد شوازب مجنوبة     قب البطون لواحق الأقراب
            من كل سلهبة وأجرد سلهب     كالسيد بادر غفلة الرقاب
            جيش عيينة قاصد بلوائه     فيه وصخر قائد الأحزاب
            قرمان كالبدرين أصبح فيهما     غيث الفقير ومعقل الهراب
            حتى إذا وردوا المدينة وارتدوا     للموت كل مجرب قضاب
            شهرا وعشرا قاهرين محمدا     وصحابه في الحرب خير صحاب
            نادوا برحلتهم صبيحة قلتم     كدنا نكون بها مع الخياب
            لولا الخنادق غادروا من جمعهم     قتلى لطير سغب وذئاب

            قال : فأجابه حسان بن ثابت ، رضي الله عنه ، فقال :


            هل رسم دارسة المقام يباب     متكلم لمحاور بجواب
            قفر عفا رهم السحاب رسومه     وهبوب كل مطلة مرباب
            ولقد رأيت بها الحلول يزينهم     بيض الوجوه ثواقب الأحساب
            فدعي الديار وذكر كل خريدة     بيضاء آنسة الحديث كعاب
            واشك الهموم إلى الإله وما ترى     من معشر ظلموا الرسول غضاب
            ساروا بجمعهم إليه وألبوا     أهل القرى وبوادي الأعراب
            جيش عيينة وابن حرب فيهم     متخمطون بحلبة الأحزاب
            حتى إذا وردوا المدينة وارتجوا     قتل الرسول ومغنم الأسلاب
            وغدوا علينا قادرين بأيدهم     ردوا بغيظهم على الأعقاب
            بهبوب معصفة تفرق جمعهم     وجنود ربك سيد الأرباب
            فكفى الإله المؤمنين قتالهم     وأثابهم في الأجر خير ثواب
            من بعد ما قنطوا ففرق جمعهم     تنزيل نصر مليكنا الوهاب
            وأقر عين محمد وصحابه     وأذل كل مكذب مرتاب
            عاتي الفؤاد موقع ذي ريبة     في الكفر ليس بطاهر الأثواب
            علق الشقاء بقلبه ففؤاده     في الكفر آخر هذه الأحقاب

            قال : وأجابه كعب بن مالك ، رضي الله عنه ، أيضا فقال :


            أبقى لنا حدث الحروب بقية     من خير نحلة ربنا الوهاب
                بيضاء مشرفة الذرى ومعاطنا
            حم الجذوع غزيرة الأحلاب     كاللوب يبذل جمها وحفيلها
            للجار وابن العم والمنتاب     ونزائعا مثل السراح نمى بها
            علف الشعير وجزة المقضاب     عري الشوى منها وأردف نحضها
            جرد المتون وسائر الآراب     قودا تراح إلى الصياح إذا غدت
            فعل الضراء تراح للكلاب     وتحوط سائمة الديار وتارة
            تردي العدا وتئوب بالأسلاب     حوش الوحوش مطارة عند الوغى
            عبس اللقاء مبينة الإنجاب     علفت على دعة فصارت بدنا
            دخس البضيع خفيفة الأقصاب     
            يغدون بالزغف المضاعف شكه     وبمترصات في الثقاف صياب
            وصوارم نزع الصياقل علبها     وبكل أروع ماجد الأنساب
            يصل اليمين بمارن متقارب     وكلت وقيعته إلى خباب
            وأغر أزرق في القناة كأنه     في طخية الظلماء ضوء شهاب
            وكتيبة ينفي القران قتيرها     وترد حد قواحز النشاب
            جأوى ململمة كأن رماحها     في كل مجمعة ضريمة غاب
            تأوي إلى ظل اللواء كأنه     في صعدة الخطي فيء عقاب
            أعيت أبا كرب وأعيت تبعا     وأبت بسالتها على الأعراب
                ومواعظ من ربنا نهدى بها
            بلسان أزهر طيب الأثواب     عرضت علينا فاشتهينا ذكرها
            من بعد ما عرضت على الأحزاب     حكما يراها المجرمون بزعمهم
            حرجا ويفهمها ذوو الألباب     جاءت سخينة كي تغالب ربها
            . فليغلبن مغالب الغلاب

            قال ابن هشام : حدثني من أثق به ، حدثني عبد الملك بن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له لما سمع منه هذا البيت : لقد شكرك الله يا كعب على قولك هذا .

            قلت : ومراده بسخينة قريش ، وإنما كانت العرب تسميهم بذلك لكثرة أكلهم الطعام السخن ، الذي لا يتهيأ لغيرهم غالبا من أهل البوادي . فالله أعلم .

            قال ابن إسحاق وقال كعب بن مالك أيضا :


            من سره ضرب يمعمع بعضه     بعضا كمعمعة الأباء المحرق
            فليأت مأسدة تسن سيوفها     بين المذاد وبين جزع الخندق
            دربوا بضرب المعلمين وأسلموا     مهجات أنفسهم لرب المشرق
            في عصبة نصر الإله نبيه     بهم وكان بعبده ذا مرفق
            في كل سابغة يحط فضولها     كالنهي هبت ريحه المترقرق
            بيضاء محكمة كأن قتيرها     حدق الجنادب ذات شك موثق
            جدلاء يحفزها نجاد مهند     صافي الحديدة صارم ذي رونق
            تلكم مع التقوى تكون لباسنا     يوم الهياج وكل ساعة مصدق
            نصل السيوف إذا قصرن بخطونا     قدما ونلحقها إذا لم تلحق
            فترى الجماجم ضاحيا هاماتها     بله الأكف كأنها لم تخلق
            نلقى العدو بفخمة ملمومة     تنفي الجموع كقصد رأس المشرق
                ونعد للأعداء كل مقلص
            ورد ومحجول القوائم أبلق     تردي بفرسان كأن كماتهم
            عند الهياج أسود طل ملثق     صدق يعاطون الكماة حتوفهم
            تحت العماية بالوشيج المزهق     أمر الإله بربطها لعدوه
            في الحرب إن الله خير موفق     لتكون غيظا للعدو وحيطا
            للدار إن دلفت خيول النزق     ويعيننا الله العزيز بقوة
            منه وصدق الصبر ساعة نلتقي     ونطيع أمر نبينا ونجيبه
            وإذا دعا لكريهة لم نسبق     ومتى يناد إلى الشدائد نأتها
            ومتى نرى الحومات فيها نعنق     من يتبع قول النبي فإنه
            فينا مطاع الأمر حق مصدق     فبذاك ينصرنا ويظهر عزنا
            ويصيبنا من نيل ذاك بمرفق .     إن الذين يكذبون محمدا
            كفروا وضلوا عن سبيل المتقي

            قال ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك أيضا :


            لقد علم الأحزاب حين تألبوا     علينا وراموا ديننا ما نوادع
            أضاميم من قيس بن عيلان أصفقت     وخندف لم يدروا بما هو واقع
            يذودوننا عن ديننا ونذودهم     عن الكفر والرحمن راء وسامع
            إذا غايظونا في مقام أعاننا     على غيظهم نصر من الله واسع
            وذلك حفظ الله فينا وفضله     علينا ومن لم يحفظ الله ضائع
            هدانا لدين الحق واختاره لنا     ولله فوق الصانعين صنائع

            قال ابن هشام : وهذه الأبيات في قصيدة له . يعني طويلة .

            قال ابن إسحاق : وقال حسان بن ثابت في مقتل بني قريظة :


            لقد لقيت قريظة ما سآها     وما وجدت لذل من نصير
            أصابهم بلاء كان فيه     سوى ما قد أصاب بني النضير
            غداة أتاهم يهوي إليهم     رسول الله كالقمر المنير
            له خيل مجنبة تعادى     بفرسان عليها كالصقور
            تركناهم وما ظفروا بشيء     دماؤهم عليها كالعبير
            فهم صرعى تحوم الطير فيهم     كذاك يدان ذو العند الفجور
            فأنذر مثلها نصحا قريشا     من الرحمن إن قبلت نذيري

            قال : وقال حسان بن ثابت أيضا في بني قريظة :


            تفاقد معشر نصروا قريشا     وليس لهم ببلدتهم نصير
            هم أوتوا الكتاب فضيعوه     وهم عمي من التوراة بور
            كفرتم بالقران وقد أتيتم     بتصديق الذي قال النذير
            فهان على سراة بني لؤي     حريق بالبويرة مستطير

            فأجابه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب فقال :


            أدام الله ذلك من صنيع     وحرق في طوائفها السعير
            ستعلم أينا منها بنزه     وتعلم أي أرضينا تضير
            فلو كان النخيل بها ركابا     لقالوا لا مقام لكم فسيروا

            قلت : وهذا قاله أبو سفيان بن الحارث قبل أن يسلم ، وقد تقدم في " صحيح البخاري " بعض هذه الأبيات .

            وذكر ابن إسحاق جواب حسان في ذلك لجبل بن جوال الثعلبي ، تركناه قصدا .

            قال ابن إسحاق : وقال حسان بن ثابت أيضا يبكي سعدا وجماعة ممن استشهد يوم بني قريظة :


            ألا يا لقومي هل لما حم دافع     وهل ما مضى من صالح العيش راجع
            تذكرت عصرا قد مضى فتهافتت     بنات الحشا وانهل مني المدامع
            صبابة وجد ذكرتني إخوة     وقتلى مضى فيها طفيل ورافع
            وسعد فأضحوا في الجنان وأوحشت     منازلهم فالأرض منهم بلاقع
            وفوا يوم بدر للرسول وفوقهم     ظلال المنايا والسيوف اللوامع
            دعا فأجابوه بحق وكلهم     مطيع له في كل أمر وسامع
            فما نكلوا حتى توالوا جماعة     ولا يقطع الآجال إلا المصارع
            لأنهم يرجون منه شفاعة     إذا لم يكن إلا النبيون شافع
            فذلك يا خير العباد بلاؤنا     إجابتنا لله والموت ناقع
            لنا القدم الأولى إليك وخلفنا     لأولنا في ملة الله تابع
            ونعلم أن الملك لله وحده     وأن قضاء الله لا بد واقع

            التالي السابق


            الخدمات العلمية