الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 213 ) مسألة : قال : والخشب والخرق وكل ما أنقي به فهو كالأحجار هذا الصحيح من المذهب ، وهو قول أكثر أهل العلم . وفيه رواية أخرى ، لا يجزئ إلا الأحجار . اختارها أبو بكر وهو مذهب داود لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالأحجار ، وأمره يقتضي الوجوب ; ولأنه موضع رخصة ورد الشرع فيها بآلة مخصوصة ، فوجب الاقتصار عليها ، كالتراب في التيمم . [ ص: 104 ] ولنا ما روى أبو داود ، عن خزيمة ، قال : { سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستطابة ، فقال : بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع . } فلولا أنه أراد الحجر وما في معناه لم يستثن منها الرجيع ; لأنه لا يحتاج إلى ذكره ، ولم يكن لتخصيص الرجيع بالذكر معنى .

                                                                                                                                            وفي حديث سلمان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم { إنه لينهانا أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار ، وأن نستجمر برجيع أو عظم . } رواه مسلم ، وتخصيص هذين بالنهي عنهما يدل على أنه أراد الحجارة ، وما قام مقامها . وروى طاوس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إذا أتى أحدكم البراز فلينزه قبلة الله ، ولا يستقبلها ولا يستدبرها ، وليستطب بثلاثة أحجار ، أو ثلاثة أعواد ، أو ثلاث حثيات من تراب } . رواه الدارقطني ، وقال : وقد روي عن ابن عباس مرفوعا ، والصحيح أنه مرسل ورواه سعيد في سننه موقوفا على طاوس .

                                                                                                                                            ولأنه متى ورد النص بشيء لمعنى معقول ، وجب تعديته إلى ما وجد فيه المعنى ، والمعنى هاهنا إزالة عين النجاسة ، وهذا يحصل بغير الأحجار ، كحصوله بها ، وبهذا يخرج التيمم ; فإنه غير معقول ، ولا بد أن يكون ما يستجمر به منقيا ; لأن الإنقاء مشترط في الاستجمار ، فأما الزلج كالزجاج والفحم الرخو وشبههما مما لا ينقي ، فلا يجزئ ; لأنه لا يحصل منه المقصود .

                                                                                                                                            ويشترط كونه طاهرا ، فإن كان نجسا لم يجزه ، وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يجزئه ; لأنه يجفف كالطاهر . ولنا { أن ابن مسعود جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحجرين وروثة يستجمر بها ، فأخذ الحجرين وألقى الروثة ، وقال : هذه ركس } . رواه البخاري ، وفي لفظ رواه الترمذي ، قال : إنها ركس .

                                                                                                                                            يعني نجسا ، وهذا تعليل من النبي صلى الله عليه وسلم . يجب المصير إليه ; ولأنه إزالة نجاسة ، فلا يحصل بالنجاسة كالغسل ، فإن استنجى بنجس احتمل أن لا يجزئه الاستجمار بعده ; لأن المحل تنجس بنجاسة من غير المخرج ، فلم يجزئ فيها غير الماء ، كما لو تنجس ابتداء ، ويحتمل أن يجزئه ; لأن هذه النجاسة تابعة لنجاسة المحل ، فزالت بزوالها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية