الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى جذام من أرض حسمى وراء وادي القرى في جمادى الآخرة سنة ست .

            روى ابن إسحاق عمن لا يتهم عن رجال من جذام كانوا علماء بها ، ومحمد بن عمر عن شيوخه وموسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن شيخ من بني سعد هذيم كان قديما يخبر عن أبيه ، قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى أن رفاعة بن زيد الجذامي لما قدم على قومه من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه يدعوهم إلى الإسلام فاستجابوا له . ثم لم يلبث أن قدم دحية بن خليفة الكلبي من عند قيصر صاحب الروم حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وقد أجازه وكساه . فلقيه الهنيد بن عوص وابنه عوص [بن الهنيد] كما عند ابن إسحاق فيهما ، وقال ابن سعد : عارض فيهما : [الهنيد بن عارض وابنه عارض بن الهنيد] الصلعيان- والصليع بطن من جذام- فأصابا كل شيء كان مع دحية ولم يتركوا عليه إلا سمل ثوب . فبلغ ذلك قوما من بني الضبيب رهط رفاعة بن زيد ممن كان أسلم وأجاب ، فنفروا إلى الهنيد وابنه فاقتتلوا واستنقذوا لدحية متاعه .

            وقدم دحية على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبره ، واستسقاه دم الهنيد وابنه ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في خمسمائة رجل ورد معه دحية . فكان زيد يسير الليل ويكمن النهار ، ومعه دليل له من بني عذرة .

            وقد اجتمعت بطون ، منهم : غطفان كلها ووائل ومن كان من سلامان وسعد بن هذيم حين جاءهم رفاعة بن زيد بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى نزلوا حرة الرجلاء ، ورفاعة بكراع ربة لم يعلم . وأقبل الدليل العذري بزيد بن حارثة وأصحابه حتى هجم بهم مع الصبح على الهنيد وابنه ومن كان في محلتهم فأغاروا عليهم وقتلوا فيهم . فأوجعوا وقتلوا الهنيد وابنه . وأغاروا على ماشيتهم ونعمهم ونسائهم فأصابوا من النعم ألف بعير ومن الشاء خمسة آلاف شاة ومن السبي مائة من النساء والصبيان .

            فلما سمع بنو الضبيب بما صنع زيد بن حارثة ركبوا فيمن ركب . فلما وقفوا على زيد بن حارثة قال حسان بن ملة : «إنا قوم مسلمون» . فقال زيد بن حارثة : «فاقرأ أم الكتاب» . فقرأها حسان فقال زيد : نادوا في الجيش أن يهبطوا إلى ورائهم الذي جاءوا منه فأمسوا في ناديهم .

            فلما أمسكوا ركبوا إلى رفاعة بن زيد فصبحوه ، وقال له حسان بن ملة : «إنك لجالس تحلب المعزى ونساء جذام أسارى قد غرك كتابك الذي جئت به» . فدعا رفاعة بجمل فشد عليه رحله وخرج معه أبو زيد [بن عمرو]- وعند ابن سعد أبو يزيد بن عمرو- وجماعة ، فساروا

            ثلاث ليال ، فلما دخلوا المدينة وانتهوا إلى المسجد دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما رآهم ألاح لهم بيده أن تعالوا من وراء الناس فاستفتح رفاعة بن زيد المنطق ، فقام رجل من الناس فقال : «يا رسول الله ، إن هؤلاء قوم سحرة» فرددها مرتين فقال رفاعة بن زيد : رحم الله من لم يحذنا في يومه هذا إلا خيرا» .

            ثم دفع رفاعة بن زيد كتابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان كتبه له ، فقال : دونك يا رسول الله [قديما كتابه حديثا غدره]

            فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اقرأه يا غلام وأعلن» . فلما قرأ كتابه استخبرهم فأخبروه بما صنع زيد بن حارثة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كيف أصنع بالقتلى ؟ » ثلاث مرار . فقال رفاعة : «أنت يا رسول الله أعلم ، لا نحرم عليك حلالا ولا نحل لك حراما» . فقال أبو زيد بن عمرو : «أطلق لنا يا رسول الله من كان حيا ، ومن قتل فهو تحت قدمي هذه» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «صدق أبو زيد» . فقال القوم : فابعث معنا يا رسول الله رجلا يخلي بيننا وبين حرمنا وأموالنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «انطلق معهم يا علي» . فقال علي :

            «يا رسول الله إن زيدا لا يطيعني» قال : «فخذ سيفي هذا» . فأخذه . فقال له علي : «ليس لي راحلة يا رسول الله» . فحملوه على بعير لثعلبة بن عمرو ويقال له مكحال . فخرجوا حتى لقوا رافع بن مكيث الجهني ، بشير زيد بن حارثة يسير على ناقة من إبل القوم ، فردها علي على القوم . ورجع رافع بن مكيث مع علي رديفا حتى لقوا زيد بن حارثة بفيفاء الفحلتين ، فقال علي :

            «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترد على هؤلاء القوم ما كان بيدك من أسير أو سبي أو مال» . فقال زيد : «علامة من رسول الله» فقال علي : «هذا سيفه» فعرفه زيد ، فنزل وصاح في الناس ، فاجتمعوا فقال : «من كان معه شيء من سبي أو مال فليرده ، فهذا [رسول] رسول الله صلى الله عليه وسلم .

            فرد على الناس كافة كل ما كان أخذ لهم حتى كانوا ينزعون المرأة من تحت فخذل الرجل»
            .

            وروى محمد بن عمر رحمه الله تعالى عن محجن الديلي رضي الله تعالى عنه قال :

            «كنت في تلك السرية ، فصار لكل رجل سبعة أبعرة أو سبعون شاة وصار له من السبي المرأة والمرأتان حتى رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك كله إلى أهله» . قال في زاد المعاد : «وهذه السرية كانت بعد الحديبية بلا شك» . فقال أبو جعال حين فرغوا من شأنهم :


            وعاذلة ولم تعذل بطب ولولا نحن حش بها السعير     تدافع في الأسارى بابنتيها
            ولا يرجى لها عتق يسير     ولو وكلت إلى عوص وأوس
            لحار بها عن العتق الأمور     ولو شهدت ركائبنا بمصر
            تحاذر أن يعل بها المسير     وردنا ماء يثرب عن حفاظ
            لربع إنه قرب ضرير     بكل مجرب كالسيد نهد
            على أقتاد ناجية صبور     فدى لأبي سليمى كل جيش
            بيثرب إذ تناطحت النحور     غداة ترى المجرب مستكينا
            خلاف القوم هامته تدور



            قال ابن هشام : قوله : ولا يرجى لها عتق يسير : وقوله : عن العتق الأمور عن غير ابن إسحاق .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية