الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            الباب السابع والعشرون في سرية عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما إلى دومة الجندل في شعبان سنة ست

            روى ابن إسحاق ، ومحمد بن عمر عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عبد الرحمن بن عوف ، فقال له : «تجهز فإني باعثك في سرية من يومك هذا أو من الغد إن شاء الله تعالى» . قال عبد الله : فسمعت ذلك فقلت : لأدخلن فلأصلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الغداة ولأسمعن وصيته لعبد الرحمن بن عوف قال : كنت عاشر عشرة رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعبد الرحمن بن عوف ، وابن مسعود ، ومعاذ بن جبل ، وحذيفة بن اليمان ، وأبو سعيد الخدري [رضي الله تعالى عنهم ، وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم] إذ أقبل فتى من الأنصار فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس ، فقال : يا رسول الله ، أي المؤمنين أفضل ؟ فقال : «أحسنهم خلقا» .

            قال : فأي المؤمنين أكيس ؟ قال : «أكثرهم ذكرا للموت وأحسنهم استعدادا له قبل أن ينزل بهم ، أولئك الأكياس» . ثم سكت الفتى وأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «يا معشر المهاجرين :

            خمس خصال إذا نزلن بكم وأعوذ بالله أن تدركوهن : إنه لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان ، ولم يمنعوا الزكاة من أموالهم إلا أمسك الله عنهم قطر السماء ، ولولا البهائم لم يسقوا ، وما نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدو من غيرهم فأخذ بعضهم ما كان في أيديهم وما حكم قوم بغير كتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم» . وفي رواية : «إلا ألبسهم شيعا وأذاق بعضهم بأس بعض» .

            ثم قال : قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يسير من الليل إلى دومة الجندل . وكان رجاله معسكرين بالجرف ، وكانوا سبعمائة . فقال عبد الرحمن : «أحب يا رسول الله أن يكون آخر عهدي بك وعلي ثياب سفري» . فأقعده بين يديه ثم نفض عمامته بيده ثم عممه بعمام [من كرابيس] سوداء . فأرخى بين كتفيه منها أربع أصابع أو نحو ذلك .

            ثم قال : «هكذا يا ابن عوف فاعتم؛ فإنه أحسن وأعرف» .

            ثم أمر بلالا أن يدفع إليه اللواء فدفعه إليه ، فحمد الله تعالى وصلى على نفسه ، ثم قال :

            «خذه يا ابن عوف ، اغزوا باسم الله ، في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، لا تغلوا ولا تغدروا ، ولا تنكثوا ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليدا؛ فهذا عهد الله وسنة نبيكم فيكم» .

            فأخذ عبد الرحمن اللواء وخرج حتى لحق بأصحابه ، فسار حتى قدم دومة الجندل .

            فلما حل بها دعاهم إلى الإسلام . فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام . وقد كانوا أبوا أول ما قدم ألا يعطوا إلا السيف . فلما كان اليوم الثالث أسلم الأصبغ بن عمرو الكلبي . وكان نصرانيا وكان رئيسهم وأسلم معه ناس كثير من قومه ، وأقام من أقام منهم على إعطاء الجزية .

            فكتب عبد الرحمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بذلك وأنه أراد أن يتزوج فيهم . وبعث الكتاب مع رافع بن مكيث الجهيني ، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بنت الأصبغ تماضر ، فتزوجها عبد الرحمن وبنى بها ، ثم أقبل بها وهي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن .


            .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية