القول في تأويل قوله تعالى (
nindex.php?page=treesubj&link=28977nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=117إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ( 117 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : يا
محمد ، إن ربك الذي نهاك أن تطيع هؤلاء العادلين بالله الأوثان ، لئلا يضلوك عن سبيله ، هو أعلم منك ومن جميع خلقه أي خلقه يضل عن سبيله بزخرف القول الذي يوحي الشياطين بعضهم إلى بعض ، فيصدوا عن طاعته واتباع ما أمر به ( وهو أعلم بالمهتدين ) ، يقول : وهو أعلم أيضا منك ومنهم بمن كان على استقامة وسداد ، لا يخفى عليه منهم أحد . يقول : واتبع ، يا
محمد ، ما أمرتك به ، وانته عما نهيتك عنه من طاعة من نهيتك عن طاعته ، فإني أعلم بالهادي والمضل من خلقي ، منك .
واختلف أهل العربية في موضع " من " في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=117إن ربك هو أعلم من يضل ) .
[ ص: 66 ]
فقال بعض نحويي
البصرة : موضعه خفض بنية " الباء " . قال : ومعنى الكلام : إن ربك هو أعلم بمن يضل .
وقال بعض نحويي
الكوفة : موضعه رفع ؛ لأنه بمعنى : " أي " ، والرافع له " يضل " .
قال
أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أنه رفع ب " يضل " ، وهو في معنى : " أي " . وغير معلوم في كلام
العرب اسم مخفوض بغير خافض ، فيكون هذا له نظيرا .
وقد زعم بعضهم أن قوله : ( أعلم ) ، في هذا الموضع بمعنى " يعلم " ، واستشهد لقيله ببيت
حاتم الطائي :
فحالفت طيئ من دوننا حلفا والله أعلم ما كنا لهم خذلا
وبقول
الخنساء :
القوم أعلم أن جفنته تعدو غداة الريح أو تسري
[ ص: 67 ] وهذا الذي قاله قائل هذا التأويل ، وإن كان جائزا في كلام
العرب ، فليس قول الله تعالى ذكره : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=117إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله ) ، منه . وذلك أنه عطف عليه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=117وهو أعلم بالمهتدين ) ، فأبان بدخول " الباء " في " المهتدين " أن " أعلم " ليس بمعنى " يعلم " ؛ لأن ذلك إذ كان بمعنى " يفعل " ، لم يوصل بالباء ، كما لا يقال : " هو يعلم بزيد " ، بمعنى : يعلم زيدا .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=treesubj&link=28977nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=117إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ( 117 ) )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا
مُحَمَّدُ ، إِنَّ رَبَّكَ الَّذِي نَهَاكَ أَنْ تُطِيعَ هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِاللَّهِ الْأَوْثَانَ ، لِئَلَّا يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِهِ ، هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ وَمِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ أَيَّ خَلْقِهِ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ بِزُخْرُفِ الْقَوْلِ الَّذِي يُوحِي الشَّيَاطِينُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ، فَيَصُدُّوا عَنْ طَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ ( وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) ، يَقُولُ : وَهُوَ أَعْلَمُ أَيْضًا مِنْكَ وَمِنْهُمْ بِمَنْ كَانَ عَلَى اسْتِقَامَةٍ وَسَدَادٍ ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ أَحَدٌ . يَقُولُ : وَاتَّبِعْ ، يَا
مُحَمَّدُ ، مَا أَمَرْتُكَ بِهِ ، وَانْتَهِ عَمَّا نَهَيْتُكَ عَنْهُ مِنْ طَاعَةِ مَنْ نَهَيْتُكَ عَنْ طَاعَتِهِ ، فَإِنِّي أَعْلَمُ بِالْهَادِي وَالْمُضِلِّ مِنْ خَلْقِي ، مِنْكَ .
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَوْضِعِ " مَنْ " فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=117إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ ) .
[ ص: 66 ]
فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي
الْبَصْرَةِ : مَوْضِعُهُ خَفْضٌ بِنِيَّةِ " الْبَاءِ " . قَالَ : وَمَعْنَى الْكَلَامِ : إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ يَضِلُّ .
وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي
الْكُوفَةِ : مَوْضِعُهُ رَفْعٌ ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى : " أَيُّ " ، وَالرَّافِعُ لَهُ " يَضِلُّ " .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ رَفْعٌ بِ " يَضِلُّ " ، وَهُوَ فِي مَعْنَى : " أَيُّ " . وَغَيْرُ مَعْلُومٍ فِي كَلَامِ
الْعَرَبِ اسْمٌ مَخْفُوضٌ بِغَيْرِ خَافِضٍ ، فَيَكُونَ هَذَا لَهُ نَظِيرًا .
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُ : ( أَعْلَمُ ) ، فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَعْنَى " يَعْلَمُ " ، وَاسْتَشْهَدَ لِقِيلِهِ بِبَيْتِ
حَاتِمٍ الطَّائِيِّ :
فَحَالَفَتْ طَيِّئٌ مِنْ دُونِنَا حِلِفًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَا كُنَّا لَهُمْ خُذُلَا
وَبِقَوْلِ
الْخَنْسَاءِ :
الْقَوْمُ أَعْلَمُ أَنَّ جَفْنَتَهُ تَعْدُو غَدَاةَ الرِّيحِ أَوْ تَسْرِي
[ ص: 67 ] وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قَائِلُ هَذَا التَّأْوِيلِ ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي كَلَامِ
الْعَرَبِ ، فَلَيْسَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=117إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ ) ، مِنْهُ . وَذَلِكَ أَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=117وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) ، فَأَبَانَ بِدُخُولِ " الْبَاءِ " فِي " الْمُهْتَدِينَ " أَنَّ " أَعْلَمُ " لَيْسَ بِمَعْنَى " يَعْلَمُ " ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِذْ كَانَ بِمَعْنَى " يَفْعَلُ " ، لَمْ يُوصَلْ بِالْبَاءِ ، كَمَا لَا يُقَالُ : " هُوَ يَعْلَمُ بِزَيْدٍ " ، بِمَعْنَى : يَعْلَمُ زَيْدًا .