الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
مسألة

لا تجوز قراءته بالعجمية سواء أحسن العربية أم لا ، في الصلاة أو خارجها ، لقوله تعالى : إنا أنزلناه قرآنا عربيا ( يوسف : 2 ) ، وقوله : ولو جعلناه قرآنا أعجميا ( فصلت : 44 ) .

وقيل عن أبي حنيفة : تجوز قراءته بالفارسية مطلقا ، وعن أبي يوسف : إن لم يحسن العربية ; لكن صح عن أبي حنيفة الرجوع عن ذلك ، حكاه عبد العزيز في شرح البزدوي .

واستقر الإجماع على أنه تجب قراءته على هيئته التي يتعلق بها الإعجاز لنقص الترجمة عنه ، ولنقص غيره من الألسن عن البيان الذي اختص به دون سائر الألسنة ، وإذا لم تجز قراءته بالتفسير العربي لمكان التحدي بنظمه فأحرى أن لا تجوز الترجمة بلسان غيره ، ومن هاهنا قال القفال من أصحابنا : عندي أنه لا يقدر أحد أن يأتي بالقرآن بالفارسية ، قيل له : فإذن لا يقدر أحد أن يفسر القرآن ، قال : ليس كذلك ; لأن هناك يجوز أن يأتي ببعض مراد الله ويعجز عن البعض ; أما إذا أراد أن يقرأه بالفارسية ، فلا يمكن أن يأتي بجميع مراد [ ص: 97 ] الله ، أي فإن الترجمة إبدال لفظة بلفظة تقوم مقامها ، وذلك غير ممكن بخلاف التفسير .

وما أحاله القفال من ترجمة القرآن ذكره أبو الحسين بن فارس في فقه العربية أيضا فقال : لا يقدر أحد من التراجم على أن ينقل القرآن إلى شيء من الألسن ; كما نقل الإنجيل عن السريانية إلى الحبشية والرومية ، وترجمت التوراة والزبور وسائر كتب الله تعالى بالعربية ; لأن العجم لم تتسع في الكلام اتساع العرب ; ألا ترى أنك لو أردت أن تنقل قوله تعالى : وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء ( الأنفال : 58 ) لم تستطع أن تأتي بهذه الألفاظ مؤدية عن المعنى الذي أودعته حتى تبسط مجموعها ، وتصل مقطوعها ، وتظهر مستورها ، فتقول إن كان بينك وبين قوم هدنة وعهد ، فخفت منهم خيانة ونقضا فأعلمهم أنك قد نقضت ما شرطته لهم ، وآذنهم بالحرب ; لتكون أنت وهم في العلم بالنقض على استواء ، وكذلك قوله تعالى : فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ( الكهف : 11 ) انتهى .

فظهر من هذا أن الخلاف في جواز قراءته بالفارسية لا يتحقق لعدم إمكان تصوره ، ورأيت في كلام بعض الأئمة المتأخرين أن المنع من الترجمة مخصوص بالتلاوة ; فأما ترجمته للعمل به فإن ذلك جائز للضرورة ، وينبغي أن يقتصر من ذلك على بيان المحكم منه ، والغريب المعنى بمقدار الضرورة إليها من التوحيد وأركان العبادات ; ولا يتعرض لما سوى ذلك ، ويؤمر من أراد الزيادة على ذلك بتعلم اللسان العربي ; وهذا هو الذي يقتضيه الدليل ، ولذلك لم يكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر إلا بآية واحدة محكمة لمعنى واحد ; وهو توحيد الله والتبري من الإشراك ; لأن النقل من لسان إلى لسان قد تنقص الترجمة عنه كما سبق ، فإذا كان معنى المترجم عنده واحدا قل وقوع التقصير فيه ; بخلاف المعاني إذا كثرت ; وإنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لضرورة التبليغ ، أو لأن معنى تلك الآية كان عندهم مقررا في كتبهم ، وإن خالفوه .

[ ص: 98 ] وقال الكواشي في تفسير سورة الدخان : " أجاز أبو حنيفة القراءة بالفارسية بشريطة ; وهى أن يؤدي القارئ المعاني كلها من غير أن ينقص منها شيئا أصلا . قالوا : وهذه الشريطة تشهد أنها إجازة كلا إجازة ; لأن كلام العرب - خصوصا القرآن الذي هو معجز - فيه من لطائف المعاني والإعراب ما لا يستقل به لسان من فارسية وغيرها " .

وقال الزمخشري ما كان أبو حنيفة يحسن الفارسية ; فلم يكن ذلك منه عن تحقيق وتبصر ، وروى علي بن الجعد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة مثل صاحبيه في القراءة بالفارسية .

التالي السابق


الخدمات العلمية