الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما انقضى هذا المثل كافيا في المراد؛ ملزما لهم لاعترافهم بأن الأصنام عبيد الله؛ في قولهم: "لبيك اللهم لبيك؛ لا شريك لك؛ [ ص: 219 ] إلا شريكا هو لك؛ تملكه وما ملك"؛ وكان ربما كابر مكابر فقال: إنهم ليسوا ملكا له؛ أتبعه مثلا آخر؛ لا تمكن المكابرة فيه؛ فقال (تعالى): وضرب الله ؛ أي: الذي له الإحاطة الكاملة أيضا؛ مثلا ؛ ثم أبدل منه رجلين ؛ ثم استأنف البيان لما أجمل؛ فقال (تعالى): أحدهما أبكم ؛ أي: ولد أخرس; ثم ترجم بكمته التي أريد بها أنه لا يفهم؛ ولا يفهم؛ بقوله: لا يقدر على شيء ؛ أي: أصلا؛ وهو كل ؛ أي: ثقل؛ وعيال؛ والأصل فيه الغلظ؛ الذي يمنع من النفوذ؛ "كلت السكين كلولا"؛ إذا غلظت شفرتها؛ فلم تقطع؛ و"كل لسانه"؛ إذا لم ينبعث في القول؛ لغلظه وذهاب حده؛ قاله الرماني؛ على مولاه ؛ الذي يلي أمره; ثم بين ذلك بقوله (تعالى): أينما يوجهه ؛ أي: يرسله؛ ويصرفه؛ ذلك المولى؛ لا يأت بخير ؛ وهذا مثل شركائهم الذين هم عيال؛ ووبال على عبدتهم. [ ص: 220 ] ولما انكشف ضلالهم في تسويتهم الأنداد - الذين لا قدرة لهم على شيء ما - بالله؛ الذي له الإحاطة بكل شيء قدرة وعلما؛ حسن كل الحسن توبيخهم؛ والإنكار عليهم؛ بقوله (تعالى): هل يستوي هو ؛ أي: هذا المذكور؛ ومن ؛ أي: ورجل آخر على ضد صفته؛ فهو عالم؛ فطن؛ قوي؛ خبير؛ مبارك الأمر؛ ميمون النقيبة؛ يأمر ؛ بما له من العلم؛ والقدرة؛ بالعدل ؛ أي: ببذل النصيحة لغيره؛ وهو ؛ في نفسه؛ ظاهرا وباطنا؛ على صراط ؛ أي: طريق واضح؛ واسع؛ مستقيم ؛ أي: عامل بما يأمر به؛ وهذا مثال للمعبود بالحق؛ الذي يكفي عابده جميع المؤن؛ وهو دال على كمال علمه؛ وتمام قدرته.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية