nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46nindex.php?page=treesubj&link=28990_31873_31788قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا
فصلت جملة قال لوقوعها في المحاورة كما تقدم في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها في سورة البقرة . والاستفهام للإنكار إنكار لتجافي
إبراهيم عن عبادة أصنامهم . وإضافة الآلهة إلى ضمير نفسه إضافة ولاية وانتساب إلى المضاف لقصد تشريف المضاف إليه . وقد جاء في جوابه دعوة ابنه بمنتهى الجفاء والعنجهية بعكس ما في كلام
إبراهيم من اللين والرقة ، فدل ذلك على أنه كان قاسي القلب بعيد الفهم ، شديد التصلب في الكفر .
[ ص: 119 ] وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46أراغب أنت جملة اسمية مركبة من مبتدأ وفاعل سد مسد الخبر على اصطلاح النحاة طردا لقواعد التركيب اللفظي ، ولكنهم لما اعتبروا الاسم الواقع ثانيا بعد الوصف فاعلا سادا مسد الخبر فقد أثبتوا لذلك الاسم حكم المسند إليه وصار للوصف المبتدأ حكم المسند . فمن أجل ذلك كان المصير إلى مثل هذا النظم في نظر البلغاء هو مقتضى كون المقام يتطلب جملة اسمية للدلالة على ثبات المسند إليه ، ويتطلب الاهتمام بالوصف دون الاسم لغرض يوجب الاهتمام به ، فيلتجئ البليغ إلى الإتيان بالوصف أولا والإتيان بالاسم ثانيا . ولما بلغ الوصف له عمل فعله تعين على النحاة اعتبار الوصف مبتدأ لأن للمبتدأ عراقة في الأسماء ، واعتباره مع ذلك متطلبا فاعلا ، وجعلوا فاعله سادا مسد الخبر ، فصار للتركيب شبهان . والتحقيق أنه في قوة خبر مقدم ومبتدأ مؤخر . ولهذا نظر
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في الكشاف إلى هذا المقصد فقال قدم الخبر على المبتدأ في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46أراغب أنت عن آلهتي لأنه كان أهم عنده وهو به أعنى اهـ .
ولله دره ، وإن ضاع بين أكثر الناظرين دره . فدل النظم في هذه الآية على أن أبا
إبراهيم ينكر على
إبراهيم تمكن الرغبة عن آلهتهم من نفسه ، ويهتم بأمر الرغبة عن الآلهة لأنها موضع عجب . والنداء في قوله يا إبراهيم تكملة لجملة الإنكار والتعجب ، لأن المتعجب من فعله مع حضوره يقصد بندائه تنبيهه على سوء فعله ، كأنه في غيبة عن إدراك فعله ، فالمتكلم ينزله منزلة الغائب فيناديه لإرجاع رشده إليه ، فينبغي الوقف على قوله يا إبراهيم .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46لئن لم تنته لأرجمنك مستأنفة . واللام موطئة للقسم تأكيدا لكونه راجمه إن لم ينته عن كفره بآلهتهم .
[ ص: 120 ] والرجم : الرمي بالحجارة ، وهو كناية مشهورة في معنى القتل بذلك الرمي . وإسناد أبي
إبراهيم ذلك إلى نفسه يحتمل الحقيقة ، إما لأنه كان من عادتهم أن الوالد يتحكم في عقوبة ابنه ، وإما لأنه كان حاكما في قومه . ويحتمل المجاز العقلي إذ لعله كان كبيرا في دينهم فيرجم قومه
إبراهيم استنادا لحكمه بمروقه عن دينهم .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46واهجرني مليا عطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46لئن لم تنته لأرجمنك ، وذلك أنه هدده بعقوبة آجلة إن لم يقلع عن كفره بآلهتهم ، وبعقوبة عاجلة وهي طرده من معاشرته وقطع مكالمته .
nindex.php?page=treesubj&link=18833والهجر : قطع المكالمة وقطع المعاشرة ، وإنما أمر أبو إبراهيم ابنه بهجرانه ولم يخبره بأنه هو يهجره ليدل على أن هذا الهجران في معنى الطرد والخلع إشعارا بتحقيره .
ومليا : طويلا ، وهو فعيل ، ولا يعرف له فعل مجرد ولا مصدر . فملي مشتق من مصدر ممات ، وهو فعيل بمعنى فاعل لأنه يقال : أملى له ، إذا أطال له المدة ، فيأتون بهمزة التعدية ، فمليا صفة لمصدر محذوف منصوب على المفعولية المطلقة ، أي هجرا مليا ، ومن الملاوة من الدهر للمدة المديدة من الزمان ، وهذه المادة تدل على كثرة الشيء . ويجوز أن ينتصب على الصفة لظرف محذوف ، أي زمانا طويلا ، وبناء على أن الملا - مقصورا - غالب في الزمان فذكره يغني عن ذكر موصوفه كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=13وحملناه على ذات ألواح ، أي سفينة ذات ألواح .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46nindex.php?page=treesubj&link=28990_31873_31788قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا
فُصِلَتْ جُمْلَةُ قَالَ لِوُقُوعِهَا فِي الْمُحَاوَرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ . وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ إِنْكَارٌ لِتَجَافِي
إِبْرَاهِيمَ عَنْ عِبَادَةِ أَصْنَامِهِمْ . وَإِضَافَةُ الْآلِهَةِ إِلَى ضَمِيرِ نَفْسِهِ إِضَافَةُ وِلَايَةٍ وَانْتِسَابٍ إِلَى الْمُضَافِ لِقَصْدِ تَشْرِيفِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ . وَقَدْ جَاءَ فِي جَوَابِهِ دَعْوَةُ ابْنِهِ بِمُنْتَهَى الْجَفَاءِ وَالْعُنْجُهِيَّةِ بِعَكْسِ مَا فِي كَلَامِ
إِبْرَاهِيمَ مِنَ اللِّينِ وَالرِّقَّةِ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَاسِيَ الْقَلْبِ بَعِيدَ الْفَهْمِ ، شَدِيدَ التَّصَلُّبِ فِي الْكُفْرِ .
[ ص: 119 ] وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46أَرَاغِبٌ أَنْتَ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ مُبْتَدَأٍ وَفَاعِلٍ سَدَّ مَسَدَّ الْخَبَرِ عَلَى اصْطِلَاحِ النُّحَاةِ طَرْدًا لِقَوَاعِدِ التَّرْكِيبِ اللَّفْظِيِّ ، وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا اعْتَبَرُوا الِاسْمَ الْوَاقِعَ ثَانِيًا بَعْدَ الْوَصْفِ فَاعِلًا سَادًّا مَسَدَّ الْخَبَرِ فَقَدْ أَثْبَتُوا لِذَلِكَ الِاسْمِ حُكْمَ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ وَصَارَ لِلْوَصْفِ الْمُبْتَدَأِ حُكْمُ الْمُسْنَدِ . فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ الْمَصِيرُ إِلَى مِثْلِ هَذَا النَّظْمِ فِي نَظَرِ الْبُلَغَاءِ هُوَ مُقْتَضَى كَوْنِ الْمَقَامِ يَتَطَلَّبُ جُمْلَةً اسْمِيَّةً لِلدَّلَالَةِ عَلَى ثَبَاتِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ ، وَيَتَطَلَّبُ الِاهْتِمَامَ بِالْوَصْفِ دُونَ الِاسْمِ لِغَرَضٍ يُوجِبُ الِاهْتِمَامَ بِهِ ، فَيَلْتَجِئُ الْبَلِيغُ إِلَى الْإِتْيَانِ بِالْوَصْفِ أَوَّلًا وَالْإِتْيَانِ بِالِاسْمِ ثَانِيًا . وَلَمَّا بَلَغَ الْوَصْفُ لَهُ عَمَلَ فِعْلِهِ تَعَيَّنَ عَلَى النُّحَاةِ اعْتِبَارُ الْوَصْفِ مُبْتَدَأً لِأَنَّ لِلْمُبْتَدَأِ عَرَاقَةً فِي الْأَسْمَاءِ ، وَاعْتِبَارُهُ مَعَ ذَلِكَ مُتَطَلِّبًا فَاعِلًا ، وَجَعَلُوا فَاعِلَهُ سَادًّا مَسَدَّ الْخَبَرِ ، فَصَارَ لِلتَّرْكِيبِ شَبَهَانِ . وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ فِي قُوَّةِ خَبَرٍ مُقَدَّمٍ وَمُبْتَدَأٍ مُؤَخَّرٍ . وَلِهَذَا نَظَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْكَشَّافِ إِلَى هَذَا الْمَقْصِدِ فَقَالَ قُدِّمَ الْخَبَرُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي لِأَنَّهُ كَانَ أَهَمَّ عِنْدَهَ وَهُوَ بِهِ أَعْنَى اهـ .
وَلِلَّهِ دَرُّهُ ، وَإِنْ ضَاعَ بَيْنَ أَكْثَرِ النَّاظِرِينَ دُرُّهُ . فَدَلَّ النَّظْمُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ أَبَا
إِبْرَاهِيمَ يُنْكِرُ عَلَى
إِبْرَاهِيمَ تَمَكُّنَ الرَّغْبَةِ عَنْ آلِهَتِهِمْ مِنْ نَفْسِهِ ، وَيَهْتَمُّ بِأَمْرِ الرَّغْبَةِ عَنِ الْآلِهَةِ لِأَنَّهَا مَوْضِعُ عَجَبٍ . وَالنِّدَاءُ فِي قَوْلِهِ يَا إِبْرَاهِيمُ تَكْمِلَةٌ لِجُمْلَةِ الْإِنْكَارِ وَالتَّعَجُّبِ ، لِأَنَّ الْمُتَعَجَّبَ مِنْ فِعْلِهِ مَعَ حُضُورِهِ يُقْصَدُ بِنِدَائِهِ تَنْبِيهَهُ عَلَى سُوءِ فِعْلِهِ ، كَأَنَّهُ فِي غَيْبَةٍ عَنْ إِدْرَاكِ فِعْلِهِ ، فَالْمُتَكَلِّمُ يُنْزِلُهُ مَنْزِلَةَ الْغَائِبِ فَيُنَادِيهِ لِإِرْجَاعِ رُشْدِهِ إِلَيْهِ ، فَيَنْبَغِي الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ يَا إِبْرَاهِيمُ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ مُسْتَأْنَفَةٌ . وَاللَّامُ مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ تَأْكِيدًا لِكَوْنِهِ رَاجِمَهُ إِنْ لَمْ يَنْتَهِ عَنْ كُفْرِهِ بِآلِهَتِهِمْ .
[ ص: 120 ] وَالرَّجْمُ : الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ ، وَهُوَ كِنَايَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي مَعْنَى الْقَتْلِ بِذَلِكَ الرَّمْيِ . وَإِسْنَادُ أَبِي
إِبْرَاهِيمَ ذَلِكَ إِلَى نَفْسِهِ يَحْتَمِلُ الْحَقِيقَةَ ، إِمَّا لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ أَنَّ الْوَالِدَ يَتَحَكَّمُ فِي عُقُوبَةِ ابْنِهِ ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ كَانَ حَاكِمًا فِي قَوْمِهِ . وَيَحْتَمِلُ الْمَجَازَ الْعَقْلِيَّ إِذْ لَعَلَّهُ كَانَ كَبِيرًا فِي دِينِهِمْ فَيَرْجُمُ قَوْمُهُ
إِبْرَاهِيمَ اسْتِنَادًا لِحُكْمِهِ بِمُرُوقِهِ عَنْ دِينِهِمْ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ هَدَّدَهُ بِعُقُوبَةٍ آجِلَةٍ إِنْ لَمْ يُقْلِعْ عَنْ كُفْرِهِ بِآلِهَتِهِمْ ، وَبِعُقُوبَةٍ عَاجِلَةٍ وَهِيَ طَرْدُهُ مِنْ مُعَاشَرَتِهِ وَقَطْعُ مُكَالَمَتِهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=18833وَالْهَجْرُ : قَطْعُ الْمُكَالَمَةِ وَقَطْعُ الْمُعَاشَرَةِ ، وَإِنَّمَا أَمَرَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ ابْنَهُ بِهِجْرَانِهِ وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِأَنَّهُ هُوَ يَهْجُرُهُ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْهِجْرَانَ فِي مَعْنَى الطَّرْدِ وَالْخَلْعِ إِشْعَارًا بِتَحْقِيرِهِ .
وَمَلِيًّا : طَوِيلًا ، وَهُوَ فَعِيلٌ ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ فِعْلٌ مُجَرَّدٌ وَلَا مَصْدَرٌ . فَمَلِيٌّ مُشْتَقٌّ مِنْ مَصْدَرٍ مُمَاتٍ ، وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ لِأَنَّهُ يُقَالُ : أَمْلَى لَهُ ، إِذَا أَطَالَ لَهُ الْمُدَّةَ ، فَيَأْتُونَ بِهَمْزَةِ التَّعْدِيَةِ ، فَمَلِيًّا صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ مَنْصُوبٍ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ ، أَيْ هَجْرًا مَلِيًّا ، وَمِنَ الْمُلَاوَةِ مِنَ الدَّهْرِ لِلْمُدَّةِ الْمَدِيدَةِ مِنَ الزَّمَانِ ، وَهَذِهِ الْمَادَّةُ تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ الشَّيْءِ . وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ عَلَى الصِّفَةِ لِظَرْفٍ مَحْذُوفٍ ، أَيْ زَمَانًا طَوِيلًا ، وَبِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَلَا - مَقْصُورًا - غَالِبٌ فِي الزَّمَانِ فَذِكْرُهُ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ مَوْصُوفِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=13وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ ، أَيْ سَفِينَةٍ ذَاتِ أَلْوَاحٍ .