الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

وقد اختلف الناس في الزهد هل هو ممكن في هذه الأزمنة أم لا ؟

فقال أبو حفص : الزهد لا يكون إلا في الحلال . ولا حلال في الدنيا ، فلا زهد . وخالفه الناس في هذا . وقالوا : بل الحلال موجود فيها . وفيها الحرام كثيرا . وعلى تقدير : أن لا يكون فيها الحلال ، فهذا أدعى إلى الزهد فيها ، وتناول ما يتناوله المضطر منها ، كتناوله للميتة والدم ولحم الخنزير .

وقال يوسف بن أسباط : لو بلغني أن رجلا بلغ في الزهد منزلة أبي ذر و أبي [ ص: 17 ] الدرداء و سلمان و المقداد وأشباههم من الصحابة رضي الله عنهم ما قلت له زاهد ؛ لأن الزهد لا يكون إلا في الحلال المحض . والحلال المحض لا يوجد في زماننا هذا . وأما الحرام فإن ارتكبته عذبك الله عز وجل .

ثم اختلف هؤلاء في متعلق الزهد .

فقالت طائفة : الزهد إنما هو في الحلال ؛ لأن ترك الحرام فريضة .

وقالت فرقة : بل الزهد لا يكون إلا في الحرام . وأما الحلال فنعمة من الله تعالى على عبده . والله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده . فشكره على نعمه ، والاستعانة بها على طاعته ، واتخاذها طريقا إلى جنته أفضل من الزهد فيها ، والتخلي عنها ، ومجانبة أسبابها .

والتحقيق أنها إن شغلته عن الله . فالزهد فيها أفضل . وإن لم تشغله عن الله ، بل كان شاكرا لله فيها ، فحاله أفضل . والزهد فيها تجريد القلب عن التعلق بها ، والطمأنينة إليها . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية