الآية الثالثة قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون } .
فيها مسألتان : المسألة الأولى لا خلاف أن هذه الآية في الكفار بنص القرآن ، لقوله في أولها : {
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20ويوم يعرض الذين كفروا على النار } ، أي فيقال لهم : أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ، يريد أفنيتموها في الكفر بالله ومعصيته ، وإن
nindex.php?page=treesubj&link=18617_18604_18580الله أحل الطيبات من الحلال واللذات ، وأمر باستعمالها في الطاعات ، فصرفها الكفار إلى الكفر فأوعدهم الله بما أخبر به عنهم ، وقد يستعملها المؤمن في المعاصي ، يدخل في وعيد آخر وتناله آية أخرى برجاء المغفرة ، ويرجع أمره إلى المشيئة ، فينفذ الله فيه ما علمه منه وكتبه له .
المسألة الثانية : روي أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب لقى
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله ، وقد ابتاع لحما بدرهم ، فقال له : أما سمعت الله تعالى يقول : {
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها } وهذا عتاب منه له على التوسع بابتياع اللحم والخروج عن جلف الخبز والماء ; فإن تعاطي الطيبات من الحلال تستشري لها الطباع ، وتستمر عليها العادة ، فإذا فقدتها استسهلت في تحصيلها بالشبهات ، وحتى تقع في الحرام المحض بغلبة العادة ، واستشراه الهوى على النفس الأمارة بالسوء ، فأخذ
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر الأمر من أوله ، وحماه من ابتدائه كما يفعله مثله .
[ ص: 107 ] والذي يضبط هذا الباب ويحفظ قانونه :
على المرء أن يأكل ما وجد طيبا كان أو قفارا ، ولا يتكلف الطيب ، ويتخذه عادة ; وقد كان صلى الله عليه وسلم يشبع إذا وجد ، ويصبر إذا عدم ، ويأكل الحلوى إذا قدر عليها ، ويشرب العسل إذا اتفق له ، ويأكل اللحم إذا تيسر ، ولا يعتمده أصلا ، ولا يجعله ديدنا ، ومعيشة النبي صلى الله عليه وسلم معلومة ، وطريقة أصحابه بعد منقولة ; فأما اليوم عند استيلاء الحرام ، وفساد الحطام ، فالخلاص عسير ، والله يهب الإخلاص ، ويعين على الخلاص برحمته .
وقد روي أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب قدم عليه ناس من
العراق فرأى القوم كأنهم يتقززون في الأكل ، فقال : ما هذا يا أهل
العراق ؟ ولو شئت أن يدهمق لي كما يدهمق لكم ، ولكنا نستبقي من دنيانا ما نجده في آخرتنا . ألم تسمعوا أن الله تعالى ذكر قوما فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها } .
الْآيَةُ الثَّالِثَةُ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ } .
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى لَا خِلَافَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الْكُفَّارِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ ، لِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِهَا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ } ، أَيْ فَيُقَالُ لَهُمْ : أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا ، يُرِيدُ أَفْنَيْتُمُوهَا فِي الْكُفْرِ بِاَللَّهِ وَمَعْصِيَتِهِ ، وَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18617_18604_18580اللَّهَ أَحَلَّ الطَّيِّبَاتِ مِنْ الْحَلَالِ وَاللَّذَّاتِ ، وَأَمَرَ بِاسْتِعْمَالِهَا فِي الطَّاعَاتِ ، فَصَرَفَهَا الْكُفَّارُ إلَى الْكُفْرِ فَأَوْعَدَهُمْ اللَّهُ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْهُمْ ، وَقَدْ يَسْتَعْمِلُهَا الْمُؤْمِنُ فِي الْمَعَاصِي ، يَدْخُلُ فِي وَعِيدٍ آخَرَ وَتَنَالُهُ آيَةٌ أُخْرَى بِرَجَاءِ الْمَغْفِرَةِ ، وَيَرْجِعُ أَمْرُهُ إلَى الْمَشِيئَةِ ، فَيُنَفِّذُ اللَّهُ فِيهِ مَا عَلِمَهُ مِنْهُ وَكَتَبَهُ لَهُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : رُوِيَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَقَى
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، وَقَدْ ابْتَاعَ لَحْمًا بِدِرْهَمٍ ، فَقَالَ لَهُ : أَمَا سَمِعْت اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا } وَهَذَا عِتَابٌ مِنْهُ لَهُ عَلَى التَّوَسُّعِ بِابْتِيَاعِ اللَّحْمِ وَالْخُرُوجِ عَنْ جِلْفِ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ ; فَإِنَّ تَعَاطِي الطَّيِّبَاتِ مِنْ الْحَلَالِ تَسْتَشْرِي لَهَا الطِّبَاعُ ، وَتَسْتَمِرُّ عَلَيْهَا الْعَادَةُ ، فَإِذَا فَقَدْتهَا اسْتَسْهَلْت فِي تَحْصِيلِهَا بِالشُّبُهَاتِ ، وَحَتَّى تَقَعَ فِي الْحَرَامِ الْمَحْضِ بِغَلَبَةِ الْعَادَةِ ، وَاسْتَشْرَاهِ الْهَوَى عَلَى النَّفْسِ الْأَمَارَةِ بِالسُّوءِ ، فَأَخَذَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ الْأَمْرَ مِنْ أَوَّلِهِ ، وَحَمَاهُ مِنْ ابْتِدَائِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ مِثْلُهُ .
[ ص: 107 ] وَاَلَّذِي يَضْبِطُ هَذَا الْبَابَ وَيَحْفَظُ قَانُونَهُ :
عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَأْكُلَ مَا وَجَدَ طَيِّبًا كَانَ أَوْ قَفَارًا ، وَلَا يَتَكَلَّفُ الطَّيِّبَ ، وَيَتَّخِذَهُ عَادَةً ; وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْبَعُ إذَا وَجَدَ ، وَيَصْبِرُ إذَا عَدِمَ ، وَيَأْكُلُ الْحَلْوَى إذَا قَدَرَ عَلَيْهَا ، وَيَشْرَبُ الْعَسَلَ إذَا اتَّفَقَ لَهُ ، وَيَأْكُلُ اللَّحْمَ إذَا تَيَسَّرَ ، وَلَا يَعْتَمِدُهُ أَصْلًا ، وَلَا يَجْعَلُهُ دَيْدَنًا ، وَمَعِيشَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْلُومَةٌ ، وَطَرِيقَةُ أَصْحَابِهِ بَعْدُ مَنْقُولَةٌ ; فَأَمَّا الْيَوْمَ عِنْدَ اسْتِيلَاءِ الْحَرَامِ ، وَفَسَادِ الْحُطَامِ ، فَالْخَلَاصُ عَسِيرٌ ، وَاَللَّهُ يَهَبُ الْإِخْلَاصَ ، وَيُعِينُ عَلَى الْخَلَاصِ بِرَحْمَتِهِ .
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَدِمَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ
الْعِرَاقِ فَرَأَى الْقَوْمُ كَأَنَّهُمْ يَتَقَزَّزُونَ فِي الْأَكْلِ ، فَقَالَ : مَا هَذَا يَا أَهْلَ
الْعِرَاقِ ؟ وَلَوْ شِئْت أَنْ يُدَهْمَقُ لِي كَمَا يُدَهْمَقُ لَكُمْ ، وَلَكِنَّا نَسْتَبْقِي مِنْ دُنْيَانَا مَا نَجِدُهُ فِي آخِرَتِنَا . أَلَمِ تَسْمَعُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ قَوْمًا فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا } .