الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5 [ ص: 337 ] 5 - باب

                                                                                                                                                                                                                              5 - حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا أبو عوانة قال: حدثنا موسى بن أبي عائشة قال: حدثنا سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: لا تحرك به لسانك لتعجل به قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه -فقال ابن عباس: فأنا أحركهما لكم كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحركهما. وقال سعيد: أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما. فحرك شفتيه -فأنزل الله تعالى لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه قال: جمعه لك في صدرك، وتقرأه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه قال: فاستمع له وأنصت ثم إن علينا بيانه [القيامة: 19] ثم إن علينا أن تقرأه. فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قرأه. [4927، 4928، 4929، 5044، 7524 - مسلم 448 - فتح: 1 \ 29]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الحديث الخامس:

                                                                                                                                                                                                                              قال البخاري رحمه الله:

                                                                                                                                                                                                                              ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا أبو عوانة، ثنا موسى بن أبي عائشة، ثنا سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: لا تحرك به لسانك لتعجل به قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه -قال ابن عباس: فأنا أحركهما لك كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحركهما. وقال سعيد: أنا أحركهما كما كان ابن عباس يحركهما. فحرك شفتيه -فأنزل الله تعالى: لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه قال: جمعه لك في صدرك، وتقرأه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه قال: فاستمع له وأنصت ثم إن علينا بيانه [القيامة: 19]، ثم إن علينا أن تقرأه. فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي - صلى الله عليه وسلم - كما كان قرأ.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 338 ] الكلام عليه من وجوه:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث أخرجه البخاري هنا، عن موسى، عن أبي عوانة، وفي التفسير، وفضائل القرآن، عن قتيبة، عن جرير، كلهم عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير.

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه مسلم في الصلاة عن إسحاق بن إبراهيم وقتيبة وغيرهما، عن جرير، وعن قتيبة، عن أبي عوانة كلاهما عن موسى بن أبي عائشة به.

                                                                                                                                                                                                                              ولمسلم: فإذا ذهب قرأه كما وعده الله. وللبخاري في التفسير: ووصف سفيان: يريد أن يحفظه، وفي أخرى: يخشى أن يتفلت منه ولمسلم في الصلاة: (لتعجل به) أخذه إن علينا جمعه وقرآنه [القيامة: 17]، إن علينا أن نجمعه في صدرك آية (وقرآنه) فتقرأه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه . قال: أنزلناه فاستمع له إن علينا بيانه أن نبينه بلسانك.

                                                                                                                                                                                                                              ورواه الترمذي من حديث سفيان بن عيينة، عن موسى، عن سعيد، عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه القرآن يحرك به لسانه [ ص: 339 ] يريد أن يحفظه، فأنزل الله: لا تحرك به لسانك لتعجل به [القيامة: 16]، قال: فكان يحرك به شفتيه، وحرك سفيان شفتيه، ثم قال: حديث حسن صحيح.

                                                                                                                                                                                                                              الوجه الثاني: في التعريف برجاله:

                                                                                                                                                                                                                              أما ابن عباس فهو أبو العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أمه أم الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث، أخت ميمونة أم المؤمنين، كان يقال له: الحبر والبحر; لكثرة علمه، وترجمان القرآن، وهو والد الخلفاء، وأحد العبادلة الأربعة، دعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحكمة، والتفقه في الدين وتعلم التأويل، أي: تأويل القرآن، فأخذ عنه الصحابة [ ص: 340 ] ذلك ودعا له أيضا فقال: "اللهم بارك فيه وانشر منه واجعله من عبادك الصالحين"."اللهم زده علما وفقها" وهي أحاديث صحاح كلها كما قاله أبو عمر بن عبد البر، وفي البخاري أنه - صلى الله عليه وسلم - ضمه إليه وقال: "اللهم علمه الكتاب". وتعظيم عمر بن الخطاب له وتقديمه على الكبار مشهور. وهو أحد الستة المكثرين عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

                                                                                                                                                                                                                              قال الإمام أحمد: ستة من الصحابة أكثروا الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمروا: أبو هريرة، وابن عباس، وابن عمر، وعائشة، وجابر بن عبد الله، وأنس - رضي الله عنهم -، وأبو هريرة أكثرهم حديثا. وقال أيضا: ليس أحد [ ص: 341 ] من الصحابة أكثر فتيا منه، ومناقبه في "الصحيح" وغيره جمة أفردت بالتأليف منها: أنه - صلى الله عليه وسلم - حنكه بريقه.

                                                                                                                                                                                                                              روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألف حديث وستمائة وستين حديثا، اتفقا منها على خمسة وتسعين، وانفرد البخاري بمائة وعشرين، ومسلم بتسعة وأربعين.

                                                                                                                                                                                                                              ولد بالشعب قبل الهجرة بثلاث سنين وتوفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثلاث عشرة سنة. وقال أحمد: خمس عشرة، والأول هو المشهور. وروى مجاهد عنه أنه قال: رأيت جبريل مرتين.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 342 ] روى عنه جماعة من الصحابة منهم: أنس وابن عمر وخلق من التابعين. روى عنه أيضا أخوه كثير بن العباس.

                                                                                                                                                                                                                              مات بالطائف، وقبره بها مشهور يزار. سنة ثمان وستين ابن إحدى وسبعين سنة على الصحيح في أيام ابن الزبير، وصلى عليه محمد ابن الحنفية، وقال: اليوم مات رباني هذه الأمة. وهو أحد أولاد العباس العشرة، وليس في الصحابة عبد الله بن عباس غيره، فهو إذا من الأفراد.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              عبد الله هذا أحد العبادلة، وثانيهم: عبد الله بن الزبير، وثالثهم: عبد الله بن عمر، ورابعهم: عبد الله بن عمرو بن العاص. وحذف الجوهري في "صحاحه" ابن الزبير.

                                                                                                                                                                                                                              ووهم النووي في "مبهماته"، والقطعة التي له على هذا الكتاب [ ص: 343 ] عليه، حيث زعم أنه أثبت ابن مسعود منهم وحذف ابن عمرو، وهذا غلط عليه، فإنه لم يذكر ابن مسعود وأثبت ابن عمرو، وقد (ذكر) ابن الزبير كما نبهنا عليه.

                                                                                                                                                                                                                              وأما سعيد بن جبير فهو الإمام المجمع على جلالته وثقته وعلو مرتبته في العلوم تفسيرا وحديثا وفقها، أبو محمد سعيد بن جبير بن هشام الكوفي الأسدي الوالبي -بكسر اللام وبالباء الموحدة- نسبة إلى ولاء بني والبة. ووالبة هو ابن الحارث بن ثعلبة بن دودان بدالين مهملتين -بضم الدال الأولى- (ابن أسد بن خزيمة)، سمع سعيد خلقا من الصحابة منهم العبادلة غير ابن عمرو.

                                                                                                                                                                                                                              وعنه خلق من التابعين منهم الزهري، وممن روى عنه ابناه عبد الملك وعبد الله، مات سنة خمس وتسعين عن تسع وأربعين سنة، قتله الحجاج صبرا.

                                                                                                                                                                                                                              قال خلف بن خليفة: حدثنا بواب الحجاج قال: رأيت رأس سعيد بن جبير بعدما سقط من الأرض يقول: لا إله إلا الله، وقال خلف عن رجل: إنه لما ندر رأسه هلل ثلاث مرات يفصح بها.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: إن الحجاج قال له: اختر أي قتلة شئت قال: اختر أنت لنفسك، القصاص أمامك. ولم يعش الحجاج بعده إلا أياما، ولما [ ص: 344 ] قدم أصبهان لم يحدث ثم لما رجع الكوفة حدث، فقيل له في ذلك، فقال: انشر بزك حيث تعرف.

                                                                                                                                                                                                                              وأما الراوي عن سعيد فهو موسى بن أبي عائشة أبو الحسن الكوفي الهمداني -بالمهملة- مولى آل جعدة بن هبيرة، روى عن كثيرين من التابعين، وعنه الأعلام الثوري وغيره ووثقه السفيانان ويحيى بن معين وذكره ابن حبان في "ثقاته"، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: صالح الحديث. قلت: يحتج بحديثه؟ قال: يكتب حديثه، وقال جرير: رأيته لا يخضب وكان إذا رأيته ذكرت الله لرؤيته. ولما ساقه البخاري في التفسير عنه قال: وكان ثقة.

                                                                                                                                                                                                                              وأما الراوي عنه فهو أبو عوانة -بفتح العين- واسمه الوضاح بن عبد الله اليشكري -ويقال: الكندي- الواسطي مولى يزيد بن عطاء وقيل: عطاء بن عبد الله الواسطي، كان من سبي جرجان.

                                                                                                                                                                                                                              رأى الحسن وابن سيرين، وسمع من محمد بن المنكدر حديثا واحدا، وسمع خلقا بعدهم من التابعين وأتباعهم.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 345 ] وروى عنه الأعلام منهم: شعبة ووكيع وابن مهدي.

                                                                                                                                                                                                                              قال عفان: كان صحيح الكتاب ثبتا، وهو في جميع حاله أصح حديثا عندنا من شعبة. وقال أحمد: إذا حدث من كتابه فهو أثبت من شريك، وإذا حدث من غير كتابه وهم، وقال أبو زرعة: بصري ثقة إذا حدث من كتابه. وقال ابن أبي حاتم: كتبه صحيحة، وإذا حدث من حفظه غلط كثيرا وهو صدوق ثقة.

                                                                                                                                                                                                                              مات سنة ست وسبعين ومائة، وقيل: سنة خمس وسبعين.

                                                                                                                                                                                                                              قال الخطيب: حدث عنه شعبة والهيثم بن سهل التستري، وبين وفاتيهما مائة سنة وسنة واحدة أو أكثر.

                                                                                                                                                                                                                              وأما الراوي عنه فهو أبو سلمة موسى بن إسماعيل المنقري -بكسر الميم وإسكان النون وفتح القاف- نسبة إلى منقر بن عبيد بن مقاعس البصري الحافظ المكثر الثقة الثبت، التبوذكي -بفتح التاء المثناة فوق، ثم موحدة مضمومة، ثم واو، ثم ذال معجمة مفتوحة- سمع المبارك بن فضالة وحماد بن سلمة، وسمع من شعبة حديثا واحدا وطبقتهم.

                                                                                                                                                                                                                              روى عنه يحيى بن معين، والبخاري وأبو داود، وغيرهم من الأعلام، وروى له مسلم والترمذي وأبو داود عن رجل عنه، والذي رواه مسلم حديث واحد: حديث أم زرع رواه عن الحسن الحلواني [ ص: 346 ] عنه. قال الدوري: كتبنا عنه خمسة وثلاثين ألف حديث. مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين بالبصرة.

                                                                                                                                                                                                                              واختلف في سبب نسبته التبوذكي على أقوال:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها: لأنه اشترى دارا بتبوذك، قاله أبو حاتم الرازي.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها: لأنه نزل داره قوم منها فنسب إليها، قال ابن أبي خيثمة: سمعته يقول: لا جزي خيرا من سماني تبوذكيا، أنا مولى بني منقر، إنما نزل داري قوم من أهل تبوذك، سموا تبوذكيا.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها: (أنها) نسبة إلى بيع السماد، قاله السمعاني، والسماد -بفتح السين-: سرجين يوضع في الأرض ليجود نباته.

                                                                                                                                                                                                                              رابعها: أنها نسبة إلى بيع ما في بطون الدجاج من الكبد والقلب والقانصة، قاله ابن ناصر، وذكر النووي في "شرحه" هذه الأقوال ثم قال: الصحيح المعتمد ما قدمناه.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الإسناد كله على شرط الستة، ورواته ما بين مكي وكوفي وبصري وواسطي، وكلهم من الأفراد لا (أعلم) من شاركهم في [ ص: 347 ] اسمهم مع اسم أبيهم، وفيه من طرف الإسناد رواية تابعي عن تابعي، وهما موسى بن أبي عائشة، عن سعيد.

                                                                                                                                                                                                                              الوجه الثالث:

                                                                                                                                                                                                                              قيل: كان يتعجل به حتى يكتب لئلا ينسى، قال تعالى: ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه [طه: 114]،، وقال: سنقرئك فلا تنسى [الأعلى: 6]، وعن الشعبي: إنما يعجل بذكره من حبه له وحلاوته في لسانه، فنهي عن ذلك حتى يجتمع; لأن بعضه مرتبط ببعض و-بإسكان الميم مع فتح العين- قال ابن قرقول:

                                                                                                                                                                                                                              جمعه لك صدرك -بسكون الميم عند الأصيلي مع ضم العين ورفع الصدر- وعند أبي ذر: جمعه لك في صدرك. وعند النسفي: جمعه لك صدرك. وقيل: تحفظه وتقرأه. وقيل: وقرآنه : تأليفه.

                                                                                                                                                                                                                              الوجه الرابع: في فوائده:

                                                                                                                                                                                                                              الأولى: هذا الحديث حصل في إسناده نوع من علوم الحديث وهو [ ص: 348 ] التسلسل بتحريك الشفة لكنه لم يتصل تسلسله، وقل في المسلسل الصحيح.

                                                                                                                                                                                                                              الثانية: المعالجة: المحاولة وسبب حصولها عظم ما يلاقيه من هيبة الوحي الكريم والملك، قال تعالى: إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا [المزمل: 5].

                                                                                                                                                                                                                              الثالثة: قوله (وكان مما يحرك شفتيه) معناه: كثيرا ما كان يفعل ذلك، وقيل: معناه: هذا من شأنه ودأبه، حكاه القاضي، فجعل (ما) كناية عن ذلك- ومثله قوله في كتاب الرؤيا: كان مما يقول لأصحابه: "من رأى منكم رؤيا"، أي هذا من شأنه- وأدغم النون في ميم (ما)، وقيل: معناها: ربما، وهو قريب من الأول; لأن ربما قد تأتي للتكثير.

                                                                                                                                                                                                                              الرابعة: فيه أنه يستحب للمعلم أن يمثل للمتعلم بالفعل، ويريه الصورة بفعله إذا كان فيه زيادة بيان على الوصف بالقول; لقول ابن عباس: (فأنا أحركهما لك كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحركهما).

                                                                                                                                                                                                                              الخامسة: قوله: فإذا فإذا قرأناه [القيامة: 18]، أي: قراءة جبريل عليك، وفيه كما قال القاضي إضافة ما يقول من أمره تعالى إليه ويحتج به في أمر التنزيل وغيره من الظواهر المشكلة إلى الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 349 ] وقوله: (فاتبع قرآنه) أي: فاستمع له وأنصت، وقيل: اتبع حلاله واجتنب حرامه.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ثم إن علينا بيانه [القيامة: 19]، أي: أن تقرأه، وفي مسلم: أن نبينه بلسانك، وقيل: بحفظك إياه، وقيل: ببيان ما فيه من حلال وحرام حكاه القاضي قال: وقد اختلف السلف في الهذ والترتيل، فمن رأى الهذ أراد استكثار الأجر بعدد الكلمات، ومن رأى الترتيل ذهب إلى فهم معانيه وتدبره، والوقوف عند حدوده وتحسين تلاوته، وما أمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: ورتل القرآن ترتيلا [المزمل: 4] وهو اختيار الأكثر، ولا خلاف أن الهذ الذي ينتهي إلى ترك إقامة حروفه غير جائز.

                                                                                                                                                                                                                              وقال مالك: من الناس من إذا هذ كان أخف عليه، وإذا رتل أخطأ، ومنهم من لا يحسن يهذ، والناس في ذلك على قدر حالاتهم وما يخف عليهم. قال القاضي: وما قاله مالك وغيره من إجازة الهذ لمن أراد [ ص: 350 ] مجرد التلاوة وفضل القراءة، أما من فتح الله تعالى عليه بعلمه وفهم معاني القرآن (واستنارة) حكمه فتلاوته وإن كانت قليلة أفضل من ختمات لغيره هذا.

                                                                                                                                                                                                                              السادسة: همزة (وأنصت) همزة قطع، هذا هو الفصيح الذي جاء به القرآن العظيم، وفيه ثلاث لغات ذكرهن الأزهري: أنصت، ونصت، وانتصت.

                                                                                                                                                                                                                              والإنصات: السكوت. والاستماع: الإصغاء.

                                                                                                                                                                                                                              السابعة: أعاد (كان) في قوله: (وكان مما يحرك) مع تقدمها في قوله: (كان يعالج)، وهو جائز إذا طال الكلام كما في قوله تعالى: أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون الآية [المؤمنون: 35] وغيرها.

                                                                                                                                                                                                                              الثامنة: في الحديث أن أحدا لا يحفظ القرآن إلا بعون الله ومنه وفضله، قال الله تعالى: ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر [القمر: 17].

                                                                                                                                                                                                                              التاسعة: معنى أمر الله تعالى نبيه أن لا يحرك بالقرآن لسانه ليعجل به، وعدته له أن يجمعه في صدره، لكي يتدبره ويتفهمه وتبدو له عجائب القرآن وحكمته وتقع في قلبه مواعظه فيتذكر بذلك، ولتتأسى به أمته في تلاوته، فينالوا بركته ولا يحرموا حكمته، وقد ذكر الله هذا المعنى فقال:

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 351 ] مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب [ص: 29].




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية