الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب إعادة الجنب الصلاة وغسله إذا صلى ولم يذكر وغسله ثوبه

                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن إسمعيل بن أبي حكيم أن عطاء بن يسار أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة من الصلوات ثم أشار إليهم بيده أن امكثوا فذهب ثم رجع وعلى جلده أثر الماء [ ص: 204 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 204 ] 20 - باب إعادة الجنب الصلاة وغسله إذا صلى ولم يذكر

                                                                                                          من الذكر بضم الذال وارد كثيرا ، وإن كان المتبادر أنه من الذكر بكسرها لأنه يصير محتملا أن معناه لم يتكلم وليس بمراد لأن المعنى أن الجنب إذا صلى ناسيا للجنابة وجب عليه الغسل وإعادة الصلاة .

                                                                                                          ( وغسله ثوبه ) أي ما يراه فيه من النجاسة ونضح ما شك فيه .

                                                                                                          112 110 - ( مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم ) القرشي مولاهم المدني ، روى عن ابن المسيب وعروة والقاسم وغيرهم ، وعنه مالك وابن إسحاق ، وثقه ابن معين والنسائي وروى له هو ومسلم وأبو داود وابن ماجه ، وكان عاملا لعمر بن عبد العزيز ، مات سنة ثلاثين ومائة ، له مرفوعا في الموطأ أربعة أحاديث .

                                                                                                          ( أن عطاء بن يسار ) أخا سليمان وعبد الله وعبد الملك موالي ميمونة أم المؤمنين كاتبتهم وكلهم أخذ عنه العلم وعطاء أكثرهم حديثا وسليمان أفقههم والآخران قليلا الحديث وكلهم ثقة رضى .

                                                                                                          ( أخبره ) مرسل رواه الشيخان وأبو داود والنسائي من طريق الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة بنحوه ، وأخرجه أبو داود من حديث أبي بكرة : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبر في صلاة من الصلوات ) هي الصبح ، روى أبو داود وابن حبان عن أبي بكرة : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل في صلاة الفجر فكبر ثم أومأ إليهم " ويعارضه ما في الصحيحين عن أبي هريرة : " أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج وقد أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر فانصرف " وفي رواية : " فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب فقال لنا : " مكانكم " فظاهره أنه انصرف قبل أن يدخل في الصلاة ، ويمكن الجمع بينهما بحمل قوله : كبر على أنه أراد أن يكبر أو بأنهما واقعتان ، أبداه عياض والقرطبي احتمالا ، وقال النووي : إنه الأظهر ، وجزم به ابن حبان كعادته ، فإن ثبت وإلا فما في الصحيح أصح ، كذا في الفتح .

                                                                                                          وقال أبو عمر : من قال إنه كبر زاد زيادة حافظ يجب قبولها .

                                                                                                          ( ثم أشار إليهم بيده أن امكثوا ) مثله في رواية أبي هريرة عند الإسماعيلي فقوله في رواية الصحيحين : فقال لنا : " مكانكم " من إطلاق القول على الفعل ، ويحتمل أنه جمع بين الإشارة والكلام .

                                                                                                          ( فذهب ثم رجع وعلى جلده أثر الماء ) وفي حديث أبي [ ص: 205 ] هريرة : " ثم رجع فاغتسل ثم رجع إلينا ورأسه يقطر فكبر " .

                                                                                                          وفي رواية : " فمكثنا على هيئتنا حتى خرج إلينا رأسه ينطف ماء وقد اغتسل " .

                                                                                                          وفي رواية : " فصلى بهم " كما في الصحيحين ، زاد الدارقطني فقال : " إني كنت جنبا فنسيت أن أغتسل " ، وفيه جواز النسيان على الأنبياء في أمر العبادة للتشريع ، وطهارة الماء المستعمل ، وجواز الفصل بين الإقامة والصلاة لأن قوله : فكبر ، وقوله : فصلى بهم ، ظاهر في أن الإقامة لم تعد ، والظاهر أنه مقيد بالضرورة وبأمن خروج الوقت .

                                                                                                          وعن مالك : إذا بعدت الإقامة من الإحرام تعاد ، وينبغي حمله على ما إذا لم يكن عذر ، كذا في الفتح .

                                                                                                          وقال النووي : هذا محمول على قرب الزمان ، فإن طال فلا بد من إعادة الإقامة ، قال : ويدل على قرب الزمان في هذا الحديث قوله - صلى الله عليه وسلم - : " مكانكم " .

                                                                                                          وقوله : وخرج إلينا ورأسه يقطر .

                                                                                                          وقال أبو العباس القرطبي : مذهب مالك أن التفريق إن كان لغير عذر ابتدأ الإقامة طال التفريق أو لا ، كما قال في المدونة : في المصلي بثوب نجس يقطع الصلاة ويستأنف الإقامة ، وكذلك قال في القهقهة وإن كان لعذر ، فإن طال استأنف الإقامة وإلا بنى عليها وفيه أنه لا حياء في الدين ، وسبيل من غلب أن يأتي بأمره موهم كأن يمسك بأنفه ليوهم أنه رعف ، وفيه أنه لا يتيمم قبل الخروج من المسجد خلافا للثوري وإسحاق ، وبعض المالكية من نام في المسجد فاحتلم وجب عليه التيمم قبل الخروج ، واحتج به الشافعي ومن وافقه على جواز تكبير المأموم قبل الإمام لأنهم لم يكبروا بعد تكبيره الواقع بعدما اغتسل بل اكتفوا بتكبيرهم أولا .

                                                                                                          وقال علي عن مالك : هذا خاص للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، ودعوى ابن بطال أن الشافعي ناقض أصله في الاحتجاج بالمرسل متعقبة بأنه لا يرد المرسل مطلقا بل يحتج منه بما اعتضد وهنا كذلك لاعتضاده بحديث أبي بكرة ، وفيه تخصيص ما رواه مسلم وأبو داود وغيرهما عن أبي هريرة أنه رأى رجلا قد خرج من المسجد بعد أن أذن المؤذن فقال : أما هذا فقد عصى أبا القاسم بمن ليست له ضرورة فيلحق بالجنب المحدث والراعف والحاقن ونحوهم ، وكذا من يكون إماما بمسجد آخر ، وقد رواه الطبراني في الأوسط فصرح برفعه وبالتخصيص فقال عن أبي هريرة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يسمع النداء في مسجدي ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق " .




                                                                                                          الخدمات العلمية