الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي

                                                                                                                                                                                                                                      فأخرج أي السامري لهم للقائلين عجلا من تلك الحلي المذابة ، وتأخيره مع كونه مفعولا صريحا عن الجار والمجرور لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر مع ما فيه من نوع طول يخل تقديمه بتجاوب أطراف النظم الكريم ، فإن قوله تعالى : جسدا أي : جثة ذا دم ولحم ، أو جسدا من ذهب لا روح له بدل منه ، وقوله تعالى : له خوار أي : صوت عجل نعت له .

                                                                                                                                                                                                                                      فقالوا أي : السامري ومن افتتن به أول ما رآه هذا إلهكم وإله موسى فنسي أي : غفل عنه وذهب يطلبه في الطور ، وهذا حكاية لنتيجة فتنة السامري فعلا وقولا من جهته تعالى قصدا إلى زيادة تقريرها ، ثم ترتيب الإنكار عليها لا من جهة القائلين ، وإلا لقيل : فأخرج لنا . والحمل على أن عدولهم إلى ضمير الغيبة لبيان أن الإخراج والقول المذكورين للكل لا للعابدة فقط ، خلاف الظاهر مع أنه مخل باعتذارهم ، فإن مخالفة بعضهم للسامري وعدم افتتانهم بتسويله مع كون الإخراج والخطاب لهم مما يهون مخالفته للمعتذرين ، فافتتانهم بعد ذلك أعظم جناية وأكثر شناعة ، وأما ما قيل من أن المعتذرين هم الذين لم يعبدوا العجل وأن نسبة الإخلاف إلى أنفسهم وهم برآء منه من قبيل قولهم : بنو فلان قتلوا فلانا ، مع أن القاتل واحد منهم ، كأنهم قالوا : ما وجد الإخلاف فيما بيننا بأمر كنا نملكه ، بل تمكنت الشبهة في قلوب العبدة حيث فعل السامري ما فعل فأخرج لهم ما أخرج وقال ما قال ، فلم نقدر على صرفهم عن ذلك ولم نفارقهم مخافة ازدياد الفتنة فيقضي بفساده سباق النظم الكريم وسياقه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية