الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي

                                                                                                                                                                                                                                      قال أي : السامري مجيبا له عليه السلام بصرت بما لم يبصروا به بضم الصاد فيهما ، وقرئ بكسرها في الأول وفتحها في الثاني ، وقرئ بالتاء على الوجهين على خطاب موسى عليه السلام وقومه ، أي : علمت ما لم يعلمه القوم ، وفطنت لما لم يفطنوا له ، أو رأيت ما لم يروه ، وهو الأنسب بما سيأتي من قوله : "وكذلك سولت لي نفسي" لا سيما على القراءة بالخطاب ، فإن ادعاء علم ما لم يعلمه موسى عليه السلام جرأة عظيمة لا تليق بشأنه ولا بمقامه بخلاف ادعاء رؤية ما لم يره [ ص: 39 ] عليه السلام ، فإن مما يقع بحسب ما يتفق . وقد كان رأى أن جبريل عليه السلام جاء راكبا فرسا ، وكان كلما رفع الفرس يديه أو رجليه على الطريق اليبس يخرج من تحته النبات في الحال ، فعرف أن له شأنا فأخذ من موطئه حفنة ، وذلك قوله تعالى : فقبضت قبضة من أثر الرسول . وقرئ : "من آثر فرس الرسول" ، أي : من تربة موطئ فرس الملك الذي أرسل إليك ليذهب بك إلى الطور ، ولعل ذكره بعنوان الرسالة للإشعار بوقوفه على ما لم يقف عليه القوم من الأسرار الإلهية ، تأكيدا لما صدر به مقالته والتنبيه على وقت أخذ ما أخذه والقبضة : المرة من القبض ، أطلقت على المقبوض مرة . وقرئ بضم القاف وهو اسم المقبوض ، كالغرفة والمضغة . وقرئ : "فقبصت قبصة" بالصاد المهملة ، والأول للأخذ بجميع الكف ، والثاني بأطراف الأصابع ونحوهما الخضم والقضم ، فنبذتها أي : في الحلي المذابة فكان ما كان .

                                                                                                                                                                                                                                      وكذلك سولت لي نفسي أي : ما فعلته من القبض والنبذ ، فقوله تعالى : "ذلك" إشارة إلى مصدر الفعل المذكور بعده ، ومحل "كذلك" في الأصل النصب على أنه مصدر تشبيهي ، أي : نعت لمصدر محذوف ، والتقدير : سولت لي نفسي تسويلا كائنا مثل ذلك التسويل ، فقدم على الفعل لإفادة القصر ، واعتبرت الكاف مقحمة لإفادة تأكيد ما أفاده اسم الإشارة من افخامة فصار نفس المصدر المؤكد لا نعتا له ، أي : ذلك التزيين البديع زينت لي نفسي ما فعلته لا تزيينا أدنى منه ولذلك فعلته ، وحاصل جوابه أن ما فعله إنما صدر عنه بمحض اتباع هوى النفس الأمارة بالسوء وإغوائها ، لا بشيء آخر من البرهان العقلي أو الإلهام الإلهي .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية