الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين

                                                                                                                                                                                                                                      258 - ثم عجب نبيه صلى الله عليه وسلم، وسلاه بمجادلة إبراهيم عليه السلام نمروذ الذي كان يدعي الربوبية بقوله: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه في معارضته ربوبية ربه. والهاء في "ربه" يرجع إلى إبراهيم، أو الذي حاج، فهو ربهما أن آتاه الله الملك لأن آتاه الله، يعني: أن إيتاء الملك أبطره وأورثه الكبر، فحاج لذلك. وهو دليل على المعتزلة في الأصلح، أو حاج وقت أن أتاه الله الملك. إذ قال نصب بحاج، أو بدل من أن آتاه إذا جعل بمعنى: الوقت. إبراهيم ربي (ربي)، حمزة. الذي يحيي ويميت كأنه قال له: من ربك؟ قال: [ ص: 213 ] ربي الذي يحيي ويميت قال نمروذ أنا أحيي وأميت يريد: أعفي عن القتل، وأقتل. فانقطع اللعين بهذا عند المخاصمة، فزاد إبراهيم عليه السلام ما لا يتأتى فيه التلبيس على الضعفة، حيث قال إبراهيم عليه السلام فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب وهذا ليس بانتقال من حجة إلى حجة كما زعم البعض; لأن الحجة الأولى كانت لازمة، ولكن لما عاند اللعين حجة الأحياء بتخلية واحد وقتل آخر، كلمه من وجه لا يعاند. وكانوا أهل تنجيم. وحركة الكواكب من المغرب إلى المشرق معلومة لهم، والحركة الشرقية المحسوسة لنا قسرية كتحريك الماء النمل على الرحى إلى غير جهة حركة النمل، فقال: إن ربي يحرك الشمس قسرا على غير حركتها، فإن كنت ربا فحركها بحركتها، فهو أهون. فبهت الذي كفر تحير، ودهش. والله لا يهدي القوم الظالمين أي: لا يوفقهم. وقالوا: إنما لم يقل نمروذ: فليأت ربك بالشمس من المغرب; لأن الله تعالى صرفه عنه. وقيل: إنه كان يدعي الربوبية لنفسه، وما كان يعترف بالربوبية لغيره، ومعنى قوله: أنا أحيي وأميت أن الذي ينسب إليه الإحياء والإماتة أنا لا غيري. والآية تدل على إباحة التكلم في علم الكلام والمناظرة فيه; لأنه قال: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه والمحاجة تكون بين اثنين، فدل على أن إبراهيم حاجه أيضا. ولو لم يكن مباحا لما باشرها إبراهيم عليه السلام; لكون الأنبياء عليهم السلام معصومين عن ارتكاب الحرام; ولأنا أمرنا بدعاء الكفرة إلى الإيمان بالله وتوحيده، وإذا دعوناهم إلى ذلك لا بد أن يطلبوا من الدليل على ذلك، وذا لا يكون إلا بعد المناظرة، كذا في "شرح التأويلات".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية