(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=29يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ) .
قوله تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=29ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ) .
واعلم أنه تعالى لما حذر عن الفتنة بالأموال والأولاد ، رغب في التقوى التي توجب ترك الميل والهوى في محبة الأموال والأولاد . وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : لقائل أن يقول : إدخال الشرط في الحكم إنما يحسن في حق من كان جاهلا بعواقب الأمور ، وذلك لا يليق بالله تعالى .
والجواب : أن
nindex.php?page=treesubj&link=34077قولنا إن كان كذا كان كذا ، لا يفيد إلا كون الشرط مستلزما للجزاء ، فأما أن وقوع الشرط مشكوك فيه أو معلوم فذلك غير مستفاد من هذا اللفظ ، سلمنا أنه يفيد هذا الشك إلا أنه تعالى يعامل العباد في الجزاء معاملة الشاك ، وعليه يخرج قوله تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=31ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ) [محمد : 31] .
المسألة الثانية : هذه القضية الشرطية شرطها شيء واحد وهو تقوى الله تعالى ، وذلك يتناول اتقاء الله في جميع الكبائر . وإنما خصصنا هذا بالكبائر لأنه تعالى ذكر في الجزاء تكفير السيئات ، والجزاء يجب أن يكون مغايرا للشرط ، فحملنا التقوى على تقوى الكبائر وحملنا السيئات على الصغائر ليظهر الفرق بين الشرط والجزاء ، وأما الجزاء المرتب على هذا الشرط فأمور ثلاثة :
الأول :
nindex.php?page=treesubj&link=28979_19881قوله :( nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=29يجعل لكم فرقانا ) والمعنى أنه تعالى يفرق بينكم وبين الكفار ، ولما كان اللفظ مطلقا وجب حمله على جميع الفروق الحاصلة بين المؤمنين وبين الكفار فنقول : هذا الفرقان إما أن يعتبر في أحوال الدنيا أو في أحوال الآخرة . أما في أحوال الدنيا فإما أن يعتبر في أحوال القلوب وهي الأحوال الباطنة أو في الأحوال الظاهرة ، أما في أحوال القلوب فأمور :
أحدها : أنه تعالى يخص المؤمنين بالهداية والمعرفة .
وثانيها : أنه يخص قلوبهم وصدورهم بالانشراح كما قال :(
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=22أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ) [الزمر : 22] .
وثالثها : أنه يزيل الغل والحقد والحسد عن قلوبهم ويزيل المكر والخداع عن صدورهم ، مع أن المنافق والكافر يكون قلبه مملوءا من هذه الأحوال الخسيسة والأخلاق الذميمة ، والسبب في حصول هذه الأمور أن القلب إذا صار مشرقا بطاعة الله تعالى زالت عنه كل هذه الظلمات لأن معرفة الله نور ، وهذه الأخلاق ظلمات ، وإذا ظهر النور فلا بد من زوال الظلمة .
وأما في الأحوال الظاهرة فإن الله تعالى يخص المسلمين بالعلو والفتح والنصر والظفر ، كما قال :(
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=8ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) [المنافقون : 8] وكما قال :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=33ليظهره على الدين كله ) [التوبة : 33] وأمر الفاسق والكافر بالعكس من ذلك . وأما في أحوال الآخرة ، فالثواب والمنافع الدائمة والتعظيم من الله والملائكة وكل هذه الأحوال داخلة في الفرقان .
[ ص: 124 ] nindex.php?page=treesubj&link=19883_28979والنوع الثاني من الأجزية المرتبة على التقوى : قوله :( nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=29ويكفر عنكم سيئاتكم ) فنقول : إن حملنا قوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=29إن تتقوا الله ) على الاتقاء من الكفر ، كان المراد بقوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=29ويكفر عنكم سيئاتكم ) جميع السيئات التي وجدت قبل الكفر ، وإن حملناه على الاتقاء عن الكبائر ، كان المراد من هذا تكفير الصغائر .
والنوع الثالث : قوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=29ويغفر لكم ) واعلم أن المراد من تكفير السيئات سترها في الدنيا ، ومن المغفرة إزالتها في القيامة لئلا يلزم التكرار . ثم قال :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=29والله ذو الفضل العظيم ) ومن كان كذلك فإنه إذا وعد بشيء وفى به . وإنما قلنا :
nindex.php?page=treesubj&link=29703إن أفضال الله أعظم من أفضال غيره لوجوه :
الأول : أن كل ما سوى الحق فإنه لا يتفضل ولا يحسن إلا إذا حصلت في قلبه داعية الإفضال والإحسان ، وتلك الداعية حادثة فلا تحصل إلا بتخليق الله تعالى ، وعند هذا ينكشف أن المتفضل ليس إلا الله الذي خلق تلك الداعية الموجبة لذلك الفعل .
الثاني : أن كل من تفضل يستفيد به نوعا من أنواع الكمال إما عوضا من المال أو عوضا من المدح والثناء ، وإما عوضا من نوع آخر وهو دفع الألم الحاصل في القلب بسبب الرقة الجنسية ، والله تعالى يعطي ويتفضل ولا يطلب به شيئا من الأعواض لأنه كامل لذاته ، وما كان حاصلا للشيء لذاته امتنع أن يستفيده من غيره .
الثالث : أن كل من تفضل على الغير فإن المتفضل عليه يصير ممنونا عليه من ذلك المتفضل ، وذلك منفر ، أما الحق سبحانه وتعالى فهو الموجد لذات كل أحد بجميع صفاته ، فلا يحصل الاستنكاف من قبول إحسانه .
الرابع : أن كل من تفضل على غيره فإنه لا ينتفع المتفضل عليه بذلك التفضل إلا إذا حصلت له عين باصرة وأذن سامعة ومعدة هاضمة ، حتى ينتفع بذلك الإحسان ، وعند هذا ينكشف أن المتفضل هو الله في الحقيقة ، فثبت بهذه البراهين صحة قوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=29والله ذو الفضل العظيم ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=29يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=29يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَذَّرَ عَنِ الْفِتْنَةِ بِالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ، رَغَّبَ فِي التَّقْوَى الَّتِي تُوجِبُ تَرْكَ الْمَيْلِ وَالْهَوَى فِي مَحَبَّةِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ . وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : إِدْخَالُ الشَّرْطِ فِي الْحُكْمِ إِنَّمَا يَحْسُنُ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ جَاهِلًا بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ ، وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِاللَّهِ تَعَالَى .
وَالْجَوَابُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=34077قَوْلَنَا إِنْ كَانَ كَذَا كَانَ كَذَا ، لَا يُفِيدُ إِلَّا كَوْنَ الشَّرْطِ مُسْتَلْزِمًا لِلْجَزَاءِ ، فَأَمَّا أَنَّ وُقُوعَ الشَّرْطِ مَشْكُوكٌ فِيهِ أَوْ مَعْلُومٌ فَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ ، سَلَّمْنَا أَنَّهُ يُفِيدُ هَذَا الشَّكَّ إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى يُعَامِلُ الْعِبَادَ فِي الْجَزَاءِ مُعَامَلَةَ الشَّاكِّ ، وَعَلَيْهِ يَخْرُجُ قَوْلُهُ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=31وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ ) [مُحَمَّدٍ : 31] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : هَذِهِ الْقَضِيَّةُ الشَّرْطِيَّةُ شَرْطُهَا شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ اتِّقَاءَ اللَّهِ فِي جَمِيعِ الْكَبَائِرِ . وَإِنَّمَا خَصَصْنَا هَذَا بِالْكَبَائِرِ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي الْجَزَاءِ تَكْفِيرَ السَّيِّئَاتِ ، وَالْجَزَاءُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُغَايِرًا لِلشَّرْطِ ، فَحَمَلْنَا التَّقْوَى عَلَى تَقْوَى الْكَبَائِرِ وَحَمَلْنَا السَّيِّئَاتِ عَلَى الصَّغَائِرِ لِيَظْهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ ، وَأَمَّا الْجَزَاءُ الْمُرَتَّبُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَأُمُورٌ ثَلَاثَةٌ :
الْأَوَّلُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28979_19881قَوْلُهُ :( nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=29يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ) وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى يُفَرِّقُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ ، وَلَمَّا كَانَ اللَّفْظُ مُطْلَقًا وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى جَمِيعِ الْفُرُوقِ الْحَاصِلَةِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ فَنَقُولُ : هَذَا الْفُرْقَانُ إِمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا أَوْ فِي أَحْوَالِ الْآخِرَةِ . أَمَّا فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا فَإِمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ فِي أَحْوَالِ الْقُلُوبِ وَهِيَ الْأَحْوَالُ الْبَاطِنَةُ أَوْ فِي الْأَحْوَالِ الظَّاهِرَةِ ، أَمَّا فِي أَحْوَالِ الْقُلُوبِ فَأُمُورٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ تَعَالَى يَخُصُّ الْمُؤْمِنِينَ بِالْهِدَايَةِ وَالْمَعْرِفَةِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ يَخُصُّ قُلُوبَهُمْ وَصُدُورَهُمْ بِالِانْشِرَاحِ كَمَا قَالَ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=22أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ) [الزُّمَرِ : 22] .
وَثَالِثُهَا : أَنَّهُ يُزِيلُ الْغِلَّ وَالْحِقْدَ وَالْحَسَدَ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَيُزِيلُ الْمَكْرَ وَالْخِدَاعَ عَنْ صُدُورِهِمْ ، مَعَ أَنَّ الْمُنَافِقَ وَالْكَافِرَ يَكُونُ قَلْبُهُ مَمْلُوءًا مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الْخَسِيسَةِ وَالْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ ، وَالسَّبَبُ فِي حُصُولِ هَذِهِ الْأُمُورِ أَنَّ الْقَلْبَ إِذَا صَارَ مُشْرِقًا بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى زَالَتْ عَنْهُ كُلُّ هَذِهِ الظُّلُمَاتِ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ نُورٌ ، وَهَذِهِ الْأَخْلَاقُ ظُلُمَاتٌ ، وَإِذَا ظَهَرَ النُّورُ فَلَا بُدَّ مِنْ زَوَالِ الظُّلْمَةِ .
وَأَمَّا فِي الْأَحْوَالِ الظَّاهِرَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخُصُّ الْمُسْلِمِينَ بِالْعُلُوِّ وَالْفَتْحِ وَالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ ، كَمَا قَالَ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=8وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) [الْمُنَافِقُونَ : 8] وَكَمَا قَالَ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=33لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) [التَّوْبَةِ : 33] وَأَمْرُ الْفَاسِقِ وَالْكَافِرِ بِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ . وَأَمَّا فِي أَحْوَالِ الْآخِرَةِ ، فَالثَّوَابُ وَالْمَنَافِعُ الدَّائِمَةُ وَالتَّعْظِيمُ مِنَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَكُلُّ هَذِهِ الْأَحْوَالِ دَاخِلَةٌ فِي الْفُرْقَانِ .
[ ص: 124 ] nindex.php?page=treesubj&link=19883_28979وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنَ الْأَجْزِيَةِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَى التَّقْوَى : قَوْلُهُ :( nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=29وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) فَنَقُولُ : إِنْ حَمَلْنَا قَوْلَهُ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=29إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ ) عَلَى الِاتِّقَاءِ مِنَ الْكُفْرِ ، كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=29وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) جَمِيعُ السَّيِّئَاتِ الَّتِي وُجِدَتْ قَبْلَ الْكُفْرِ ، وَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الِاتِّقَاءِ عَنِ الْكَبَائِرِ ، كَانَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا تَكْفِيرَ الصَّغَائِرِ .
وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ : قَوْلُهُ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=29وَيَغْفِرْ لَكُمْ ) وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ تَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ سَتْرُهَا فِي الدُّنْيَا ، وَمِنَ الْمَغْفِرَةِ إِزَالَتُهَا فِي الْقِيَامَةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّكْرَارُ . ثُمَّ قَالَ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=29وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ إِذَا وَعَدَ بِشَيْءٍ وَفَّى بِهِ . وَإِنَّمَا قُلْنَا :
nindex.php?page=treesubj&link=29703إِنَّ أَفْضَالَ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ أَفْضَالِ غَيْرِهِ لِوُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى الْحَقِّ فَإِنَّهُ لَا يَتَفَضَّلُ وَلَا يُحْسِنُ إِلَّا إِذَا حَصَلَتْ فِي قَلْبِهِ دَاعِيَةُ الْإِفْضَالِ وَالْإِحْسَانِ ، وَتِلْكَ الدَّاعِيَةُ حَادِثَةٌ فَلَا تَحْصُلُ إِلَّا بِتَخْلِيقِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَعِنْدَ هَذَا يَنْكَشِفُ أَنَّ الْمُتَفَضِّلَ لَيْسَ إِلَّا اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ تِلْكَ الدَّاعِيَةَ الْمُوجِبَةَ لِذَلِكَ الْفِعْلِ .
الثَّانِي : أَنَّ كُلَّ مَنْ تَفَضَّلَ يَسْتَفِيدُ بِهِ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْكَمَالِ إِمَّا عِوَضًا مِنَ الْمَالِ أَوْ عِوَضًا مِنَ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ ، وَإِمَّا عِوَضًا مِنْ نَوْعٍ آخَرَ وَهُوَ دَفْعُ الْأَلَمِ الْحَاصِلِ فِي الْقَلْبِ بِسَبَبِ الرِّقَّةِ الْجِنْسِيَّةِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى يُعْطِي وَيَتَفَضَّلُ وَلَا يَطْلُبُ بِهِ شَيْئًا مِنَ الْأَعْوَاضِ لِأَنَّهُ كَامِلٌ لِذَاتِهِ ، وَمَا كَانَ حَاصِلًا لِلشَّيْءِ لِذَاتِهِ امْتَنَعَ أَنْ يَسْتَفِيدَهُ مِنْ غَيْرِهِ .
الثَّالِثُ : أَنَّ كُلَّ مَنْ تَفَضَّلَ عَلَى الْغَيْرِ فَإِنَّ الْمُتَفَضَّلَ عَلَيْهِ يَصِيرُ مَمْنُونًا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْمُتَفَضِّلِ ، وَذَلِكَ مُنَفِّرٌ ، أَمَّا الْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَهُوَ الْمُوجِدُ لِذَاتِ كُلِّ أَحَدٍ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ ، فَلَا يَحْصُلُ الِاسْتِنْكَافُ مِنْ قَبُولِ إِحْسَانِهِ .
الرَّابِعُ : أَنَّ كُلَّ مَنْ تَفَضَّلَ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ الْمُتَفَضَّلُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ التَّفَضُّلِ إِلَّا إِذَا حَصَلَتْ لَهُ عَيْنٌ بَاصِرَةٌ وَأُذُنٌ سَامِعَةٌ وَمَعِدَةٌ هَاضِمَةٌ ، حَتَّى يَنْتَفِعَ بِذَلِكَ الْإِحْسَانِ ، وَعِنْدَ هَذَا يَنْكَشِفُ أَنَّ الْمُتَفَضِّلَ هُوَ اللَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ ، فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْبَرَاهِينِ صِحَّةُ قَوْلِهِ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=29وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) .