الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 358 ) فصل : وإن عدم بكل حال صلى على حسب حاله . وهذا قول الشافعي ، وقال أبو حنيفة ، والثوري ، والأوزاعي : لا يصلي حتى يقدر ، ثم يقضي ; لأنها عبادة لا تسقط القضاء ، فلم تكن واجبة ، كصيام الحائض . وقال مالك : لا يصلي ولا يقضي ; لأنه عجز عن الطهارة ، فلم تجب عليه الصلاة ، كالحائض . وقال ابن عبد البر : هذه رواية منكرة عن مالك . وذكر عن أصحابه قولين : أحدهما كقول أبي حنيفة ، والثاني يصلي على حسب حاله ، ويعيد . ولنا ما روى مسلم في " صحيحه " { ، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أناسا لطلب قلادة أضلتها عائشة ، فحضرت الصلاة ، فصلوا بغير وضوء ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له ، فنزلت آية التيمم . ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، ولا أمرهم ، بإعادة } .

                                                                                                                                            فدل على أنها غير واجبة ; ولأن الطهارة شرط ، فلم تؤخر الصلاة عند عدمها ، كالسترة واستقبال القبلة . وإذا ثبت هذا ، فإذا صلى على حسب حاله ، ثم وجد الماء أو التراب ، لم يلزمه إعادة الصلاة في إحدى الروايتين ، والأخرى عليه الإعادة . وهو مذهب الشافعي ; لأنه فقد شرط الصلاة ، أشبه ما لو صلى بالنجاسة .

                                                                                                                                            والصحيح الأول ; لما ذكرنا من الخبر ; ولأنه أتى بما أمر ، فخرج عن عهدته ; لأنه شرط من شرائط الصلاة فيسقط عند العجز عنه ، كسائر شروطها وأركانها ; ولأنه أدى فرضه على حسبه ، فلم يلزمه الإعادة ، كالعاجز عن السترة إذا صلى عريانا ، والعاجز عن الاستقبال إذا صلى إلى غيرها ، والعاجز عن القيام إذا صلى جالسا ، وقياس أبي حنيفة على الحائض [ ص: 158 ] في تأخير الصيام لا يصح ; لأن الصوم يدخله التأخير ، بخلاف الصلاة ، بدليل أن المسافر يؤخر الصوم دون الصلاة ; ولأن عدم الماء لو قام مقام الحيض لأسقط الصلاة بالكلية ; ولأن قياس الصلاة على الصلاة أولى من قياسها على الصيام ، وأما قياس مالك فلا يصح { ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } .

                                                                                                                                            وقياس الطهارة على سائر شرائط الصلاة أولى من قياسها على الحائض ، فإن الحيض أمر معتاد يتكرر عادة ، والعجز هاهنا عذر نادر غير معتاد ، فلا يصح قياسه على الحيض ; ولأن هذا عذر نادر فلم يسقط الفرض ، كنسيان الصلاة وفقد سائر الشروط . والله تعالى أعلم

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية