الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما اقتضى وصف العزة الإهلاك ، ووصف الرحمة الإمهال ، وكان الأول مقدما ، وكانت عادتهم تقديم ما هم به أهم ، وهو لهم أعنى ، خيفت غائلته ، فأتبع ذلك أخبار هذه الأمم ، دلالة على الوصفين معا ترغيبا وترهيبا ، ودلالة على أن الرحمة سبقت الغضب ، وإن قدم الوصف اللائق به ، فلا يعذب إلا بعد البيان مع طول الإمهال ، وأخلى قصة أبيهم إبراهيم عليه السلام من ذكر الإهلاك إشارة إلى البشارة بالرفق ببنيه العرب في الإمهال كما رفق بهم في الإنزال والإرسال ، ولما كان مع ذلك في هذه القصة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم فيما يقاسيه من الأذى والتكذيب ، وكانت التسلية بموسى وإبراهيم عليهما السلام أتم ، لما لهما من القرب ، والمشاركة في الهجرة ، والقصد إلى الأرض المقدسة ، وكان قد اختص موسى عليه السلام بالكتاب الذي ما بعد القرآن مثله والآيات التي ما أتى بمثلها أحد قبله ، وإقرار عينه بهداية قومه ، وحفظهم [ ص: 14 ] بعده بالكتاب ، وسياسة الأنبياء المجددين لشريعته ، وعدم استئصالهم بالعذاب والانتقام بأيديهم من جميع أعدائهم ، وفتح بلاد الكفرة على أيديهم بعده صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك مما شابهوا به هذه الأمة مع مجاورتهم للعرب حتى في دار الهجرة ، وموطن النصرة ، ليكون في إقرارهم على ما يسمعون من أخبارهم أعظم معجزة ، وأتم دلالة ، قدمهما مقدما لموسى -عليهما السلام ، والتحية والإكرام- فإن كان القصد تسكين ما أورثه آخر تلك من خوف الملازمة بالعذاب نظرا إلى وصف العزة ، فالتقدير : اذكر أثر رحمتنا بطول إمهالنا لقومك -وهم على أشد ما يكون من الكفر والضلال في أيام الجاهلية- برحمتنا الشاملة بإرسالك إليهم وأنت أشرف الرسل ، وإنزال هذا الكتاب الذي هو أعظم الكتب ، "و" اذكر " إذ " وعلى تقدير التسلية يكون العطف على تلك لأن المراد بها التنبيه ، فالتقدير : خذ آيات الكتاب واذكر إذ نادى ربك أي : المحسن إليك بكل ما يمكن الإحسان به في هذه الدار ، وعلى تقدير الترهيب يكون التقدير : أو لم يروا إذ نادى ربك ، وعدوا رائين لذلك لأن اليهود في بلادهم وفي حد القرب منهم ، فإما أن يكونوا عالمين بالقصة بما سمعوه منهم ، أو متهيئين [ ص: 15 ] لذلك لإمكانهم من سؤالهم; ثم ذكر المنادى فقال : موسى وأتبعه ما كان له النداء فقال مفسرا لأن النداء في معنى القول : أن ائت القوم أي : الذين فيهم قوة وأي قوة الظالمين أي : بوضعهم قوتهم على النظر الصحيح المؤدي للإيمان في غير موضعها.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية