nindex.php?page=treesubj&link=19476_19485فضيلة الصدق ودرجاته
قال الله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=23رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) [ الأحزاب : 23 ] وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004694إن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا ، وإن الكذب يهدي إلى الفجور ، والفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا " .
والصدق درجات :
الأولى
nindex.php?page=treesubj&link=19486صدق اللسان : وحق على كل عبد أن يحفظ ألفاظه فلا يتكلم إلا بالصدق . وكمال صدق القول الاحتراز عن المعاريض ، فقد قيل : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004695nindex.php?page=treesubj&link=18997في المعاريض مندوحة عن الكذب " وذلك لأنها تقوم مقام الكذب إلا أن ذلك مما تمس إليه الحاجة ، وتقتضيه المصلحة في بعض الأحوال ، وفي تأديب الصبيان والنسوان ومن يجري مجراهم ، وفي الحذر عن الظلمة ، وفي قتال الأعداء والاحتراز عن اطلاعهم على الأسرار . فمن اضطر إلى شيء من ذلك فصدقه فيه أن يكون نطقه فيه لله فيما يأمره الحق به ويقتضيه الدين ، فإذا نطق به فهو صادق ، وإن كان كلامه مفهما غير ما هو عليه ؛ لأن الصدق ما أريد لذاته بل للدلالة على الحق والدعاء إليه ، فلا ينظر إلى صورته بل إلى معناه . نعم في مثل هذا الموضع ينبغي أن يعدل إلى المعاريض ما وجد إليه سبيلا ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004696كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا توجه إلى سفر ورى بغيره ، وذلك كي لا ينتهي الخبر إلى الأعداء فيقصد ، وليس هذا من الكذب في شيء . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004697nindex.php?page=treesubj&link=19001ليس بكذاب من أصلح بين اثنين فقال خيرا أو أنمى خيرا " .
ورخص في النطق على وفق المصلحة في ثلاثة مواضع : من أصلح بين اثنين ، ومن كان له زوجتان ، ومن كان في مصالح الحرب ، والصدق ههنا يتحول إلى النية فلا يراعى فيه إلا صدق النية وإرادة الخير ، فمهما صح قصده وصدقت
[ ص: 303 ] نيته وتجردت للخير إرادته صار صادقا وصديقا كيفما كان لفظه ، ثم التعريض فيه أولى ، وطريقه ما حكي عن بعضهم أنه كان يطلبه بعض الظلمة وهو في داره فقال لزوجته : خطي بأصبعك دائرة وضعي الأصبع على الدائرة وقولي : ليس هو ههنا ، واحترز بذلك عن الكذب ودفع الظالم عن نفسه ، فكان قوله صدقا ، وأفهم الظالم أنه ليس في الدار ، وهذا الذي ذكرناه من الاحتراز عن صريح اللفظ وعن المعاريض إلا عند الضرورة هو الكمال الأول في صدق الأول .
وهناك كمال ثان وهو أن يراعي معنى الصدق في ألفاظه التي يناجي بها ربه كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض ) [ الأنعام : 79 ] . فإن قلبه إن كان منصرفا عن الله - تعالى - مشغولا بأماني الدنيا وشهواته فهو كذب ، وكقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد ) [ الفاتحة : 5 ] وكقوله : "أنا عبد الله " فإنه إذا لم يتصف بحقيقة العبودية وكان له مطلب سوى الله لم يكن كلامه صدقا ، ولو طولب يوم القيامة بالصدق في قوله : أنا عبد الله ، لعجز عن تحقيقه ، فإنه إن كان عبدا لنفسه أو عبدا لدنيا أو عبدا لشهواته لم يكن صادقا في قوله ، وكل ما تقيد العبد به فهو عبد له .
كما قال - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004698تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم وعبد الخميصة " سمى كل من تقيد قلبه بشيء عبدا له ، وإنما العبد الحق لله - عز وجل - من أعتق من غير الله - تعالى - واشتغل بالله وبمحبته ، وتقيد ظاهره وباطنه بطاعته فلا يكون له مراد إلا الله تعالى .
الدرجة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=19487الصدق في النية والإرادة : ويرجع ذلك إلى الإخلاص ، وهو أن لا يكون له باعث في الحركات والسكنات إلا الله - تعالى - فإن مازجه شوب من حظوظ النفس بطل صدق النية .
الثالثة
nindex.php?page=treesubj&link=19488صدق العزم : وهو الجزم فيه بقوة ، والصادق فيه هو الذي تصادف عزيمته في الخيرات كلها قوة تامة ليس فيها ميل ولا ضعف ولا تردد ، بل تسخو أبدا بالعزم المصمم الجازم على الخيرات ، كمن يقول : "إن رزقني الله مالا تصدقت بشطره ، وإن أعطاني الله ولاية عدلت فيها ولم أعص الله - تعالى - بظلم وميل إلى خلق " فصدق هذه العزيمة هو سخاء نفسه بما نوى .
الرابعة في
nindex.php?page=treesubj&link=19488_19489الوفاء بالعزم : فإن النفس قد تسخو بالعزم في الحال إذ لا مشقة في الوعد والعزم ، والمؤونة فيه خفيفة ، فإذا حقت الحقائق وحصل التمكن وهاجت الشهوات انحلت العزيمة وغلبت الشهوات ولم يتفق الوفاء بالعزم ، وهذا يضاد الصدق فيه ، ولذلك قال الله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=23رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) [ الأحزاب : 23 ] فقد روي
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004699عن " أنس " أن عمه " أنس بن النضر " لم يشهد بدرا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشق ذلك على قلبه وقال : "أول مشهد [ ص: 304 ] شهده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غبت عنه ؟ أما والله لئن أراني الله مشهدا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليرين الله ما أصنع " قال : فشهد أحدا في العام القابل فاستقبله " nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ " فقال : "إلى أين " ؟ فقال : "واها لريح الجنة إني أجد ريحها دون أحد " فقاتل حتى قتل ، فوجد في جسده بضع وثمانون ما بين رمية وضربة وطعنة ، فقالت أخته : ما عرفت أخي إلا بثيابه ، فنزلت هذه الآية : ( nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=23رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) .
وقال "
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد " : "رجلان خرجا على ملأ من الناس قعود " فقالا : إن رزقنا الله - تعالى - مالا لنصدقن ، فبخلوا به فنزلت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=75ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=76فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=77فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ) [ التوبة : 75 - 77 ] فجعل العزم عهدا ، وجعل الخلف فيه كذبا والوفاء به صدقا .
الخامسة
nindex.php?page=treesubj&link=19490الصدق في الأعمال : وهو أن يجتهد حتى لا تدل أعماله الظاهرة على أمر في باطنه لا يتصف هو به ، فمن وقف على هيئة الخشوع في صلاته ليرائي غيره ، ولكنه في الباطن قائم في السوق بين يدي شهوة من شهواته ؛ فهو كاذب بلسان الحال في عمله غير صادق فيه ، فالصدق فيه هو استواء السريرة والعلانية بأن يكون باطنه مثل ظاهره أو خيرا من ظاهره .
إذا السر والإعلان في المؤمن استوى فقد عز في الدارين واستوجب الثنا فإن خالف الإعلان سرا فما له
على سعيه فضل سوى الكذب والعنا
ثم درجات الصدق لا نهاية لها ، وقد يكون للعبد صدق في بعض الأمور دون بعض ، فإن كان صادقا في الجميع فهو الصديق حقا .
nindex.php?page=treesubj&link=19476_19485فَضِيلَةُ الصِّدْقِ وَدَرَجَاتُهُ
قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=23رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ) [ الْأَحْزَابِ : 23 ] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004694إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَالْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا ، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ ، وَالْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا " .
وَالصِّدْقُ دَرَجَاتٌ :
الْأُولَى
nindex.php?page=treesubj&link=19486صِدْقُ اللِّسَانِ : وَحَقٌّ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَنْ يَحْفَظَ أَلْفَاظَهُ فَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا بِالصِّدْقِ . وَكَمَالُ صِدْقِ الْقَوْلِ الِاحْتِرَازُ عَنِ الْمَعَارِيضِ ، فَقَدْ قِيلَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004695nindex.php?page=treesubj&link=18997فِي الْمَعَارِيضِ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الْكَذِبِ " وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ الْكَذِبِ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا تَمَسُّ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ ، وَتَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ ، وَفِي تَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ وَالنِّسْوَانِ وَمَنْ يَجْرِي مَجْرَاهُمْ ، وَفِي الْحَذَرِ عَنِ الظَّلَمَةِ ، وَفِي قِتَالِ الْأَعْدَاءِ وَالِاحْتِرَازِ عَنِ اطِّلَاعِهِمْ عَلَى الْأَسْرَارِ . فَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَصِدْقُهُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ نُطْقُهُ فِيهِ لِلَّهِ فِيمَا يَأْمُرُهُ الْحَقُّ بِهِ وَيَقْتَضِيهِ الدِّينُ ، فَإِذَا نَطَقَ بِهِ فَهُوَ صَادِقٌ ، وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُ مُفْهِمًا غَيْرَ مَا هُوَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الصِّدْقَ مَا أُرِيدَ لِذَاتِهِ بَلْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْحَقِّ وَالدُّعَاءِ إِلَيْهِ ، فَلَا يُنْظَرُ إِلَى صُورَتِهِ بَلْ إِلَى مَعْنَاهُ . نَعَمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ يَنْبَغِي أَنْ يَعْدِلَ إِلَى الْمَعَارِيضِ مَا وَجَدَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004696كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا تَوَجَّهَ إِلَى سَفَرٍ وَرَّى بِغَيْرِهِ ، وَذَلِكَ كَيْ لَا يَنْتَهِيَ الْخَبَرُ إِلَى الْأَعْدَاءِ فَيُقْصَدَ ، وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ فِي شَيْءٍ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004697nindex.php?page=treesubj&link=19001لَيْسَ بِكَذَّابٍ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَالَ خَيْرًا أَوْ أَنْمَى خَيْرًا " .
وَرَخَّصَ فِي النُّطْقِ عَلَى وِفْقِ الْمَصْلَحَةِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ : مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ ، وَمَنْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ ، وَمَنْ كَانَ فِي مَصَالِحِ الْحَرْبِ ، وَالصِّدْقُ هَهُنَا يَتَحَوَّلُ إِلَى النِّيَّةِ فَلَا يُرَاعَى فِيهِ إِلَّا صِدْقُ النِّيَّةِ وَإِرَادَةُ الْخَيْرِ ، فَمَهْمَا صَحَّ قَصْدُهُ وَصَدَقَتْ
[ ص: 303 ] نِيَّتُهُ وَتَجَرَّدَتْ لِلْخَيْرِ إِرَادَتُهُ صَارَ صَادِقًا وَصِدِّيقًا كَيْفَمَا كَانَ لَفْظُهُ ، ثُمَّ التَّعْرِيضُ فِيهِ أَوْلَى ، وَطَرِيقُهُ مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُهُ بَعْضُ الظَّلَمَةِ وَهُوَ فِي دَارِهِ فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ : خُطِّي بِأُصْبُعِكِ دَائِرَةً وَضَعِي الْأُصْبُعَ عَلَى الدَّائِرَةِ وَقُولِي : لَيْسَ هُوَ هَهُنَا ، وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنِ الْكَذِبِ وَدَفَعَ الظَّالِمَ عَنْ نَفْسِهِ ، فَكَانَ قَوْلُهُ صِدْقًا ، وَأَفْهَمَ الظَّالِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الدَّارِ ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ الِاحْتِرَازِ عَنْ صَرِيحِ اللَّفْظِ وَعَنِ الْمَعَارِيضِ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ هُوَ الْكَمَالُ الْأَوَّلُ فِي صِدْقِ الْأَوَّلِ .
وَهُنَاكَ كَمَالٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنْ يُرَاعِيَ مَعْنَى الصِّدْقِ فِي أَلْفَاظِهِ الَّتِي يُنَاجِي بِهَا رَبَّهُ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) [ الْأَنْعَامِ : 79 ] . فَإِنَّ قَلْبَهُ إِنْ كَانَ مُنْصَرِفًا عَنِ اللَّهِ - تَعَالَى - مَشْغُولًا بِأَمَانِي الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهِ فَهُوَ كَذِبٌ ، وَكَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) [ الْفَاتِحَةِ : 5 ] وَكَقَوْلِهِ : "أَنَا عَبْدُ اللَّهِ " فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَتَّصِفْ بِحَقِيقَةِ الْعُبُودِيَّةِ وَكَانَ لَهُ مَطْلَبٌ سِوَى اللَّهِ لَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ صِدْقًا ، وَلَوْ طُولِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالصِّدْقِ فِي قَوْلِهِ : أَنَا عَبْدُ اللَّهِ ، لَعَجَزَ عَنْ تَحْقِيقِهِ ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ عَبْدًا لِنَفْسِهِ أَوْ عَبْدًا لِدُنْيَا أَوْ عَبْدًا لِشَهَوَاتِهِ لَمْ يَكُنْ صَادِقًا فِي قَوْلِهِ ، وَكُلُّ مَا تَقَيَّدَ الْعَبْدُ بِهِ فَهُوَ عَبْدٌ لَهُ .
كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004698تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ " سَمَّى كُلَّ مَنْ تَقَيَّدَ قَلْبُهُ بِشَيْءٍ عَبْدًا لَهُ ، وَإِنَّمَا الْعَبْدُ الْحَقُّ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مَنْ أَعْتَقَ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَاشْتَغَلَ بِاللَّهِ وَبِمَحَبَّتِهِ ، وَتَقَيَّدَ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ بِطَاعَتِهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ مُرَادٌ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى .
الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=19487الصِّدْقُ فِي النِّيَّةِ وَالْإِرَادَةِ : وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى الْإِخْلَاصِ ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ بَاعِثٌ فِي الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ إِلَّا اللَّهُ - تَعَالَى - فَإِنْ مَازَجَهُ شَوْبٌ مِنْ حُظُوظِ النَّفْسِ بَطَلَ صِدْقُ النِّيَّةِ .
الثَّالِثَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=19488صِدْقُ الْعَزْمِ : وَهُوَ الْجَزْمُ فِيهِ بِقُوَّةٍ ، وَالصَّادِقُ فِيهِ هُوَ الَّذِي تُصَادِفُ عَزِيمَتُهُ فِي الْخَيْرَاتِ كُلِّهَا قُوَّةً تَامَّةً لَيْسَ فِيهَا مَيْلٌ وَلَا ضَعْفٌ وَلَا تَرَدُّدٌ ، بَلْ تَسْخُو أَبَدًا بِالْعَزْمِ الْمُصَمِّمِ الْجَازِمِ عَلَى الْخَيْرَاتِ ، كَمَنْ يَقُولُ : "إِنْ رَزَقَنِي اللَّهُ مَالًا تَصَدَّقْتُ بِشَطْرِهِ ، وَإِنْ أَعْطَانِي اللَّهُ وِلَايَةً عَدَلْتُ فِيهَا وَلَمْ أَعْصِ اللَّهَ - تَعَالَى - بِظُلْمٍ وَمَيْلٍ إِلَى خَلْقٍ " فَصِدْقُ هَذِهِ الْعَزِيمَةِ هُوَ سَخَاءُ نَفْسِهِ بِمَا نَوَى .
الرَّابِعَةُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=19488_19489الْوَفَاءِ بِالْعَزْمِ : فَإِنَّ النَّفْسَ قَدْ تَسْخُو بِالْعَزْمِ فِي الْحَالِ إِذْ لَا مَشَقَّةَ فِي الْوَعْدِ وَالْعَزْمِ ، وَالْمَؤُونَةُ فِيهِ خَفِيفَةٌ ، فَإِذَا حُقَّتِ الْحَقَائِقُ وَحَصَلَ التَّمَكُّنُ وَهَاجَتِ الشَّهَوَاتُ انْحَلَّتِ الْعَزِيمَةُ وَغَلَبَتِ الشَّهَوَاتُ وَلَمْ يَتَّفِقِ الْوَفَاءُ بِالْعَزْمِ ، وَهَذَا يُضَادُّ الصِّدْقَ فِيهِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=23رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ) [ الْأَحْزَابِ : 23 ] فَقَدْ رُوِيَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004699عَنْ " أنس " أَنَّ عَمَّهُ " أنس بن النضر " لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى قَلْبِهِ وَقَالَ : "أَوَّلُ مَشْهَدٍ [ ص: 304 ] شَهِدَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غِبْتُ عَنْهُ ؟ أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ أَرَانِي اللَّهُ مَشْهَدًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ " قَالَ : فَشَهِدَ أُحُدًا فِي الْعَامِ الْقَابِلِ فَاسْتَقْبَلَهُ " nindex.php?page=showalam&ids=307سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ " فَقَالَ : "إِلَى أَيْنَ " ؟ فَقَالَ : "وَاهًا لِرِيحِ الْجَنَّةِ إِنِّي أَجِدُ رِيحَهَا دُونَ أُحُدٍ " فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ، فَوُجِدَ فِي جَسَدِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مَا بَيْنَ رَمْيَةٍ وَضَرْبَةٍ وَطَعْنَةٍ ، فَقَالَتْ أُخْتُهُ : مَا عَرَفْتُ أَخِي إِلَّا بِثِيَابِهِ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=23رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ) .
وَقَالَ "
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد " : "رَجُلَانِ خَرَجَا عَلَى مَلَأٍ مِنَ النَّاسِ قُعُودٍ " فَقَالَا : إِنْ رَزَقَنَا اللَّهُ - تَعَالَى - مَالًا لَنَصَّدَّقَنَّ ، فَبَخِلُوا بِهِ فَنَزَلَتْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=75وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=76فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=77فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) [ التَّوْبَةِ : 75 - 77 ] فَجَعَلَ الْعَزْمَ عَهْدًا ، وَجَعَلَ الْخُلْفَ فِيهِ كَذِبًا وَالْوَفَاءَ بِهِ صِدْقًا .
الْخَامِسَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=19490الصِّدْقُ فِي الْأَعْمَالِ : وَهُوَ أَنْ يَجْتَهِدَ حَتَّى لَا تَدُلَّ أَعْمَالُهُ الظَّاهِرَةُ عَلَى أَمْرٍ فِي بَاطِنِهِ لَا يَتَّصِفُ هُوَ بِهِ ، فَمَنْ وَقَفَ عَلَى هَيْئَةِ الْخُشُوعِ فِي صَلَاتِهِ لِيُرَائِيَ غَيْرَهُ ، وَلَكِنَّهُ فِي الْبَاطِنِ قَائِمٌ فِي السُّوقِ بَيْنَ يَدَيْ شَهْوَةٍ مِنْ شَهَوَاتِهِ ؛ فَهُوَ كَاذِبٌ بِلِسَانِ الْحَالِ فِي عَمَلِهِ غَيْرُ صَادِقٍ فِيهِ ، فَالصِّدْقُ فِيهِ هُوَ اسْتِوَاءُ السَّرِيرَةِ وَالْعَلَانِيَةِ بِأَنْ يَكُونَ بَاطِنُهُ مِثْلَ ظَاهِرِهِ أَوْ خَيْرًا مِنْ ظَاهِرِهِ .
إِذَا السِّرُّ وَالْإِعْلَانُ فِي الْمُؤْمِنِ اسْتَوَى فَقَدْ عَزَّ فِي الدَّارَيْنِ وَاسْتَوْجَبَ الثَّنَا فَإِنْ خَالَفَ الْإِعْلَانُ سِرًّا فَمَا لَهُ
عَلَى سَعْيِهِ فَضْلٌ سِوَى الْكَذِبِ وَالْعَنَا
ثُمَّ دَرَجَاتُ الصِّدْقِ لَا نِهَايَةَ لَهَا ، وَقَدْ يَكُونُ لِلْعَبْدِ صِدْقٌ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ دُونَ بَعْضٍ ، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فِي الْجَمِيعِ فَهُوَ الصِّدِّيقُ حَقًّا .