الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        الرابعة في الاستدانة لأجل العمارة حيث لم يكن غلة قال في الذخيرة قال هلال إذا احتاجت الصدقة إلى العمارة وليس في يد القيم [ ص: 227 ] ما يعمرها فليس له أن يستدين عليها لأن الدين لا يجب ابتداء إلا في الذمة وليس للوقف ذمة والفقراء وإن كانت لهم ذمة إلا أنهم لكثرتهم لا تتصور مطالبتهم فلا يثبت الدين باستدانة القيم إلا عليه ودين يجب عليه لا يملك قضاءه من غلة هي على الفقراء وعن الفقيه أبي جعفر أن القياس هذا لكن يترك القياس فيما فيه ضرورة نحو أن يكون في أرض الوقف زرع يأكله الجراد ويحتاج إلى النفقة لجمع الزرع أو طالبه السلطان بالخراج جاز له الاستدانة لأن القياس يترك للضرورة .

                                                                                        قال والأحوط في هذه الصورة كونها بأمر الحاكم لأن ولاية الحاكم أعم في مصالح المسلمين من ولايته إلا أن يكون بعيدا عن الحاكم ولا يمكنه الحضور فلا بأس بأن يستدين بنفسه وهذا الذي روي عن الفقيه أبي جعفر مشكل لأنه جمع بين أكل الجراد والزرع وبين الخراج وتتصور الاستدانة في أكل الجراد الزرع لأن الزرع مال للفقراء وهذا الدين إنما يستدان لحاجتهم فأمكن إيجاب الدين في مالهم وأما باب الخراج فلا يتصور لأنه إن كان في الأرض غلة فلا ضرورة إلى الاستدانة لأن الغلة تباع ويؤدى منها الخراج وإن لم يكن في الأرض غلة فليس هنا إلا رقبة الوقف ورقبة الوقف ليست للفقراء .

                                                                                        ولا يستقيم إيجاب دين يحتاج إليه الفقراء في مال ليس لهم فهذا الفصل مشكل من هذا الوجه إلا أن يكون تصوير المسألة فيما إذا كان في الأرض غلة وكان بيعها متعذرا في الحال وقد طولب بالخراج قالوا ليس قيم الوقف في الاستدانة على الوقف كالوصي في الاستدانة على اليتيم لأن اليتيم له ذمة صحيحة وهو معلوم فتتصور مطالبته .

                                                                                        ألا ترى أن للوصي أن يشتري لليتيم شيئا بنسيئة من غير ضرورة وفي فتاوى أبي الليث قيم وقف طلب منه الجبايات والخراج وليس في يده من مال الواقف شيء وأراد أن يستدين فهذا على وجهين إن أمر الواقف بالاستدانة فله ذلك وإن لم يأمره بالاستدانة فقد اختلف المشايخ فيه قال الصدر الشهيد والمختار ما قاله الفقيه أبو الليث إذا لم يكن للاستدانة بد يرفع الأمر إلى القاضي حتى يأمره بالاستدانة ثم يرجع في الغلة لأن للقاضي هذه الولاية وإن كان لها بد ليس للقاضي هذه الولاية وفي واقعات الناطفي المتولي إذا أراد أن يستدين على الوقف ليجعل ذلك في ثمن البذر إن أراد ذلك بأمر القاضي فله ذلك بلا خلاف لأن القاضي يملك الاستدانة على الوقف فيملك المتولي ذلك بإذن القاضي وإن أراد ذلك بغير أمر القاضي ففيه روايتان .

                                                                                        وصرح في الخلاصة بأن الأصح ما قاله الفقيه أبو الليث وفي الخانية قيم الوقف إذا اشترى شيئا لمرمة المسجد بدون إذن القاضي قالوا لا يرجع بذلك في مال المسجد وله أن ينفق على المرمة من ماله كالوصي في مال الصغير وإن أدخل المتولي جذعا من ماله في الوقف جاز وله أن يرجع في غلة الوقف . ا هـ .

                                                                                        وفي الخلاصة في مسألة الجذع والاحتياط أن يبيع الجذع من آخر ثم يشتريه لأجل الوقف ثم يدخله في دار الوقف ا هـ .

                                                                                        وفسر قاضي خان الاستدانة [ ص: 228 ] على الوقف بتفسيرين فقال في الثاني وتفسير الاستدانة بما ذكر إنما هو فيما إذا لم يكن في يده شيء من الغلة وأما إذا كان في يده شيء منها واشترى شيئا للوقف ونقد الثمن من ماله جاز له أن يرجع بذلك من غلته وإن لم يكن بأمر القاضي كالوكيل بالشراء إذا نقد الثمن من ماله فإنه يجوز له الرجوع به على موكله وقال في الأول أن لا يكون للوقف غلة فيحتاج إلى القرض والاستدانة أما إذا كان للوقف غلة فأنفق من مال نفسه لإصلاح الوقف فإن له أن يرجع في غلة الوقف . ا هـ .

                                                                                        وفي القنية برقم ( يو ) قيم أنفق في عمارة المسجد من مال نفسه ثم رجع بمثله في غلة الوقف جاز سواء كانت غلته مستوفاة أو غير مستوفاة . ا هـ .

                                                                                        ثم قال وللقيم الاستدانة على الوقف لضرورة العمارة لا لتقسيم ذلك على الموقوف عليهم ثم رقم ( بنك ) استقرض القيم لمصالح المساجد فهو على نفسه وبرقم ( عك ) لا أصدقه في زماننا وبرقم ( حم ) له ذلك وبرقم ( بق ) لا يستدين إلا بأمر القاضي ثم ذكر ما اختاره الفقيه أبو الليث . ا هـ .

                                                                                        وفي جامع الفصولين من الفصل السابع والعشرين ولو أخذ المتولي دراهم الوقف وصرف دنانير إلى عمارة الوقف صح لو خيرا ولو أنفق عليه من مال نفسه يرجع ولو لم يشترط كوصي ثم رقم ( مق ) يرجع لو شرط وإلا لا ثم قال وذكر في العدة الاستدانة لضرورة مصالح الوقف تجوز لو أمر الواقف وإلا فالمختار أن يرفع إلى القاضي ليأمر بها ثم رقم ( فط ) الأحوط أن يرفع الأمر إليه إلا إذا تعذر الحضور لبعده فيستدين بنفسه وقيل يصح بلا رفع ولو أمكن ا هـ .

                                                                                        وفي الرابع والثلاثين قيم الوقف لو أنفق من ماله في عمارة الوقف فلو أشهد أنه أنفق ليرجع فله الرجوع وإلا فلا ا هـ .

                                                                                        وفي الحاوي ويجوز للمتولي إذا احتاج إلى العمارة أن يستدين على الوقف ويصرف ذلك فيها والأولى أن يكون بإذن الحاكم . ا هـ .

                                                                                        والحاصل أن هلالا مانع من الاستدانة مطلقا وحمله ابن وهبان على ما إذا كان بغير أمر القاضي وادعى أنه إذا كان بأمر القاضي فلا خلاف فيه والظاهر كما ذكره الطرسوسي خلافه لما علمت من تعليله وأما غير هلال فمنهم من جوز الاستدانة مطلقا للعمارة كما في جامع الفصولين والمعتمد في المذهب إن كان له منه بد لا يستدين مطلقا وإن كان لا بد له فإن كان بأمر القاضي جاز وإلا فلا والعمارة لا بد لها فيستدين لها بأمر القاضي وأما غير العمارة فإن كان للصرف على المستحقين لا تجوز الاستدانة ولو بإذن القاضي لأن له منه بدا كما صرح به في القنية بقوله لا لتقسيم ذلك على الموقوف عليهم وأن الاستدانة أعم من القرض والشراء بالنسيئة وفي البزازية من كتاب الوصايا لو استقرض المتولي إن شرط الواقف له له ذلك وإلا رفع إلى الحاكم إن احتاج ا هـ .

                                                                                        [ ص: 227 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 227 ] ( قوله نحو أن يكون في أرض الوقف زرع يأكله الجراد إلخ ) قال الرملي أقول : وبالأولى إذا غصب الأرض غاصب وعجز عن استردادها إلا بمال فله الاستدانة بالشرط المذكور للضرورة فهو وإن خالف القياس لكن يترك للضرورة وبه يندفع الإشكال الآتي ( قوله بأن الأصح ما قاله الفقيه أبو الليث ) أي أنه ليس له ذلك إلا بإذن القاضي فيما لا بد منه رملي ( قوله وفي الخانية قيم الوقف إلخ ) أقول : في فتاوى الحانوتي إذا أشهد عند الإنفاق أنه أنفق ليرجع على الوقف يرجع . ا هـ .

                                                                                        وسيأتي ذكره منقولا عن جامع الفصولين رملي ( قوله ثم يشتريه لأجل الوقف ) أي بإذن القاضي ليوافق ما قبله عن الخانية تأمل ( قوله وفسر قاضي خان الاستدانة إلخ ) أقول : عبارة قاضي خان بعد أن ذكر أن القيم لا يملك الاستدانة إلا بأمر القاضي وتفسير الاستدانة أن يشتري للوقف شيئا وليس في يده شيء من غلة الوقف ليرجع بذلك فيما يحدث من غلة الوقف أما إذا كان في يده شيء من غلات الوقف فاشترى للوقف شيئا ونقد الثمن من مال نفسه ينبغي أن يرجع بذلك في غلة المسجد وإن لم يكن ذلك بأمر القاضي ثم قال بعد ورقة وليس للقيم أن يستدين بغير أمر القاضي وتفسير الاستدانة أن لا يكون للوقف غلة فيحتاج إلى القرض والاستدانة أما إذا كان للوقف غلة فأنفق من مال نفسه لإصلاح الوقف كان له أن يرجع بذلك في غلة الوقف . ا هـ .

                                                                                        قلت ويؤخذ من مجموع كلاميه أنه لو أنفق من ماله أو اشترى مع وجود مال للوقف يرجع ولو بلا أمر قاض وإن لم يكن معه مال للوقف فاشترى أو أنفق لا يرجع إلا بأمر ويظهر منه أن مراده بالقرض الإقراض لا الاستقراض لدخوله في الاستدانة وعلى هذا فقوله قبل هذا قيم الوقف إذا اشترى إلخ أي عند عدم مال في يده للوقف وقوله وله أن ينفق على المرمة من ماله أي إذا كان للوقف مال وحينئذ له الرجوع إن أشهد أنه أنفق ليرجع فيوافق ما سيأتي عن جامع الفصولين والظاهر أن الإشهاد لازم قضاء لا ديانة فلا يخالف [ ص: 228 ] كان له أن يرجع ( قوله سواء كانت غلته مستوفاة أو غير مستوفاة ) الظاهر أنه مبني على رواية عدم اشتراط الأمر من قاض ( قوله والحاصل أن هلالا منع من الاستدانة مطلقا ) قال الرملي أي بإذن وبغير إذن ( قوله لما علمت من تعليله ) قال الرملي أي تعليل هذا بقوله وليس للوقف ذمة . ا هـ .

                                                                                        قلت : لكن ما مر عن الواقعات صريح في أنه لا خلاف فيما إذا كان بأمر القاضي




                                                                                        الخدمات العلمية