الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقوله (تعالى): ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ؛ زعم قوم أن المراد أنهم يكونون أحياء في الجنة؛ قالوا: لأنه لو جاز أن ترد عليهم أرواحهم بعد الموت لجاز القول بالرجعة؛ ومذهب أهل التناسخ؛ قال أبو بكر ؛ وقال الجمهور: إن الله (تعالى) يحييهم بعد الموت؛ فينيلهم من النعيم بقدر استحقاقهم؛ إلى أن يفنيهم الله (تعالى) عند فناء الخلق؛ ثم يعيدهم في الآخرة؛ ويدخلهم الجنة; لأنه أخبر أنهم أحياء؛ وذلك يقتضي أنهم أحياء في هذا الوقت؛ ولأن تأويل من تأوله على أنهم أحياء في الجنة يؤدي إلى إبطال فائدته; لأن أحدا من المسلمين لا يشك أنهم سيكونون أحياء مع سائر أهل الجنة؛ إذ الجنة لا يكون فيها ميت؛ ويدل عليه أيضا وصفه (تعالى) لهم بأنهم فرحون على الحال؛ بقوله (تعالى): فرحين بما آتاهم الله من فضله ؛ ويدل عليه قوله (تعالى): ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ؛ وهم في الآخرة قد لحقوا بهم؛ وروى ابن عباس ؛ وابن مسعود ؛ وجابر بن عبد الله ؛ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في حواصل طيور خضر تحت العرش؛ ترد أنهار الجنة؛ وتأكل من ثمارها؛ وتأوي إلى قناديل [ ص: 333 ] معلقة تحت العرش"؛ وهو مذهب الحسن؛ وعمرو بن عبيد ؛ وأبي حذيفة ؛ وواصل بن عطاء ؛ وليس ذلك من مذهب أصحاب التناسخ في شيء; لأن المنكر في ذلك رجوعهم إلى دار الدنيا في خلق مختلفة؛ وقد أخبر الله (تعالى) عن قوم أنه أماتهم؛ ثم أحياهم؛ في قوله: ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم ؛ وأخبر أن إحياء الموتى معجزة لعيسى عليه السلام؛ فكذلك يحييهم بعد الموت؛ ويجعلهم حيث يشاء؛ وقوله (تعالى): عند ربهم يرزقون ؛ معناه: حيث لا يقدر لهم أحد على ضر ولا نفع؛ إلا ربهم - عز وجل -؛ وليس يعني به قرب المسافة; لأن الله (تعالى) لا يجوز عليه القرب والبعد بالمسافة؛ إذ هو من صفة الأجسام؛ وقيل: عند ربهم من حيث يعلمهم هو؛ دون الناس.

التالي السابق


الخدمات العلمية