الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 615 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ( 13 ) وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا ( 14 ) )

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم :

نحن يا محمد نقص عليك خبر هؤلاء الفتية الذين أووا إلى الكهف بالحق ، يعني : بالصدق واليقين الذي لا شك فيه ( إنهم فتية آمنوا بربهم ) يقول : إن الفتية الذين أووا إلى الكهف الذين سألك عن نبئهم الملأ من مشركي قومك ، فتية آمنوا بربهم ، ( وزدناهم هدى ) يقول : وزدناهم إلى إيمانهم بربهم إيمانا ، وبصيرة بدينهم ، حتى صبروا على هجران دار قومهم ، والهرب من بين أظهرهم بدينهم إلى الله ، وفراق ما كانوا فيه من خفض العيش ولينه ، إلى خشونة المكث في كهف الجبل .

وقوله : ( وربطنا على قلوبهم ) يقول عز ذكره :

وألهمناهم الصبر ، وشددنا قلوبهم بنور الإيمان حتى عزفت أنفسهم عما كانوا عليه من خفض العيش .

كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد عن قتادة ( وربطنا على قلوبهم ) يقول : بالإيمان .

وقوله : ( إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض ) يقول : حين قاموا بين يدي الجبار دقينوس ، فقالوا له إذ عاتبهم على تركهم عبادة آلهته ( ربنا رب السماوات والأرض ) يقول : قالوا ربنا ملك السماوات والأرض وما فيهما من شيء ، وآلهتك مربوبة ، وغير جائز لنا أن نترك عبادة الرب ونعبد المربوب ( لن ندعو من دونه إلها ) يقول : لن ندعو من دون رب السماوات والأرض إلها ، لأنه لا إله غيره ، وإن كل ما دونه فهو خلقه ( لقد قلنا إذا شططا ) يقول جل ثناؤه : لئن دعونا إلها غير إله السماوات والأرض ، لقد قلنا إذن بدعائنا غيره إلها ، شططا من القول : يعني غاليا من الكذب ، مجاوزا مقداره في البطول والغلو : كما قال الشاعر :


ألا يا لقومي قد أشطت عواذلي ويزعمن أن أودى بحقي باطلي



[ ص: 616 ]

يقال منه : قد أشط فلان في السوم إذا جاوز القدر وارتفع ، يشط إشطاطا وشططا . فأما من البعد فإنما يقال : شط منزل فلان يشط شطوطا ، ومن الطول : شطت الجارية تشط شطاطا وشطاطة : إذا طالت .

وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله ( شططا ) قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( لقد قلنا إذا شططا ) يقول كذبا .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( لقد قلنا إذا شططا ) قال : لقد قلنا إذن خطأ ، قال : الشطط : الخطأ من القول .

التالي السابق


الخدمات العلمية