الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

قال : الدرجة الثانية : الشكر في المكاره . وهذا ممن تستوي عنده الحالات : إظهارا للرضا . وممن يميز بين الأحوال : لكظم الغيظ ، وستر الشكوى . ورعاية الأدب . وسلوك مسلك العلم . وهذا الشاكر أول من يدعى إلى الجنة .

يعني أن الشكر على المكاره : أشد وأصعب من الشكر على المحاب . ولهذا كان فوقه في الدرجة . ولا يكون إلا من أحد رجلين :

إما رجل لا يميز بين الحالات : بل يستوي عنده المكروه والمحبوب . فشكر هذا : إظهار منه للرضا بما نزل به . وهذا مقام الرضا .

الرجل الثاني : من يميز بين الأحوال . فهو لا يحب المكروه . ولا يرضى بنزوله به . فإذا نزل به مكروه شكر الله تعالى عليه ، فكان شكره كظما للغيظ الذي أصابه ، وسترا للشكوى ، ورعاية منه للأدب ، وسلوكا لمسلك العلم . فإن العلم والأدب يأمران بشكر الله على السراء والضراء . فهو يسلك بهذا الشكر مسلك العلم . لأنه شاكر لله شكر من رضي بقضائه ، كحال الذي قبله . فالذي قبله : أرفع منه .

[ ص: 244 ] وإنما كان هذا الشاكر أول من يدعى إلى الجنة : لأنه قابل للمكاره - التي يقابلها أكثر الناس بالجزع والسخط ، وأوساطهم بالصبر ، وخاصتهم بالرضا - فقابلها هو بأعلى من ذلك كله . وهو الشكر . فكان أسبقهم دخولا إلى الجنة . وأول من يدعى منهم إليها .

وقسم أهل هذه الدرجة إلى قسمين : سابقين ، ومقربين بحسب انقسامهم إلى من يستوي عنده الحالات ، من المكروه والمحبوب ، فلا يؤثر أحدهما على الآخر . بل قد فني بإيثاره ما يرضى له به ربه عما يرضاه هو لنفسه . وإلى من يؤثر المحبوب ، ولكن إذا نزل به المكروه قابله بالشكر .

التالي السابق


الخدمات العلمية