الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 565 ] النوع السابع والعشرون :

        معرفة آداب المحدث : علم الحديث شريف ، يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ، وهو من علوم الآخرة ؛ من حرمه حرم خيرا عظيما ، ومن رزقه نال فضلا جزيلا ؛ فعلى صاحبه تصحيح النية ، وتطهير قلبه من أغراض الدنيا ، واختلف في السن الذي يتصدى فيه لإسماعه ، والصحيح أنه متى احتيج إلى ما عنده جلس له في أي سن كان ، وينبغي أن يمسك عن التحديث إذا خشي التخليط بهرم ، أو خرف أو عمى ، ويختلف ذلك باختلاف الناس .

        [ ص: 565 ]

        التالي السابق


        [ ص: 565 ] ( النوع السابع والعشرون : ) ( معرفة آداب المحدث : علم الحديث شريف ) ، وكيف لا وهو الوصلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ; والباحث عن تصحيح أقواله وأفعاله والذب عن أن ينسب إليه ما لم يقله ، وقد قيل في تفسير قوله تعالى : يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ، ليس لأهل الحديث منقبة أشرف من ذلك لأنه لا إمام لهم غيره صلى الله عليه وسلم ، ولأن سائر العلوم الشرعية محتاجة إليه . أما الفقه فواضح ، وأما التفسير فلأن أولى ما فسر به كلام الله تعالى ما ثبت عن نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم .

        وهو علم ( يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ) ، وينافر ضد ذلك ، ( وهو من علوم الآخرة ) المحضة ، بخلاف غيره في الجملة .

        قال أبو الحسن شبويه : من أراد علم القبر فعليه بالأثر ، ومن أراد علم الخبز فعليه بالرأي .

        ( من حرمه حرم خيرا عظيما ، ومن رزقه نال فضلا جسيما ) ، ويكفيه أنه يدخل في دعوته صلى الله عليه وسلم حيث قال : نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها .

        [ ص: 566 ] قال سفيان بن عيينة : ليس من أهل الحديث أحد إلا وفي وجهه نضرة لهذا الحديث .

        وقال : اللهم ارحم خلفائي ، قيل : ومن خلفاؤك ؟ قال : الذين يأتون من بعدي يروون أحاديثي وسنتي ، رواه الطبراني وغيره .

        وكأن تلقيب المحدث بأمير المؤمنين مأخوذ من هذا الحديث . وقد لقب به جماعة ؛ منهم : سفيان ، وابن راهويه ، والبخاري ، وغيرهم .

        ( فعلى صاحبه تصحيح النية ) ، وإخلاصها ، ( وتطهير قلبه من أغراض الدنيا ) وأدناسها ؛ كحب الرياسة ونحوها ،وليكن أكبر همه نشر الحديث والتبليغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فالأعمال بالنيات .

        وقد قال سفيان الثوري : قلت لحبيب بن أبي ثابت : حدثنا ، قال : حتى تجيء النية .

        وقيل لأبي الأحوص سلام بن سليم : حدثنا ، فقال : ليس لي نية ، فقالوا له : إنك تؤجر ، فقال :


        يمنوني الخير الكثير وليتني نجوت كفافا لا علي ولا ليا

        [ ص: 567 ] وقال حماد بن زيد : أستغفر الله إن لذكر الإسناد في القلب خيلاء .

        ( واختلف في السن الذي ) يحسن أن ( يتصدى فيه لإسماعه ) ؛ فقال ابن خلاد : إذا بلغ الخمسين ، لأنها انتهاء الكهولة ، وفيها مجتمع الأشد .

        قال : ولا ينكر عند الأربعين ؛ لأنها حد الاستواء ومنتهى الكمال ، وعندها ينتهي عزم الإنسان وقوته ، ويتوفر عقله ويجود رأيه .

        وأنكر ذلك القاضي عياض ، وقال : كم من السلف فمن بعدهم من لم ينته إلى هذا السن ، ونشر من الحديث والعلم ما لا يحصى ، كعمر بن عبد العزيز ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم النخعي ، وجلس مالك للناس ابن نيف وعشرين ، وقيل : ابن سبع عشرة سنة ، والناس متوافرون وشيوخه أحياء ؛ ربيعة والزهري ونافع وابن المنكدر وابن هرمز ، وغيرهم ، وكذلك الشافعي وأئمة من المتقدمين والمتأخرين . وقد حدث بندار وهو ابن ثمانية عشرة وحدث البخاري وما في وجهه شعرة ، وهلم جرا .

        وقال ابن الصلاح : ما قاله ابن خلاد محله فيمن يؤخذ عنه الحديث لمجرد الإسناد من غير براعة في العلم ؛ فإنه لا يحتاج إليه لعلو إسناده إلا عند السن المذكور ، أما من عنده براعة في العلم فإنه يؤخذ عنه قبل السن المذكور .

        قال ( والصحيح أنه متى احتيج إلى ما عنده جلس له في أي سن كان .

        [ ص: 568 ] وينبغي أن يمسك عن التحديث إذا خشي التخليط بهرم ، أو خرف ، أو عمى ، ويختلف ذلك باختلاف الناس ) ، وضبطه ابن خلاد بالثمانين ، قال : والتسبيح والذكر وتلاوة القرآن أولى به .

        فإن يكن ثابت العقل مجتمع الرأي فلا بأس ؛ فقد حدث بعدها أنس ، وسهل بن سعد ، وعبد الله بن أبي أوفى في آخرين ، ومن التابعين : شريح القاضي ، ومجاهد ، والشعبي في آخرين ، ومن أتباعهم : مالك ، والليث ، وابن عيينة .

        وقال مالك : إنما يخرف الكذابون .

        وحدث بعد المائة من الصحابة : حكيم بن حزام ، ومن التابعين : شريك النمري ، وممن بعدهم : الحسن بن عرفة ، وأبو القاسم البغوي ، والقاضي أبو الطيب الطبري ، والسلفي ، وغيرهم .




        الخدمات العلمية