الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان اسم الشريك يقع على من سواه الإنسان بآخر في شيء من الأشياء ، وكان الأتباع قد سووا المتبوعين الذين عبدوهم من الشياطين وغيرهم بالله تعالى في الخضوع لهم ، والطواعية في عبادة الأوثان ، ومعاندة الهداة ومعاداتهم ، والصد عن أتباعهم ، فكان اسم الشريك متناولا لهم ، وكان بطش من وقع الإشراك به يكون أولا بمن عد نفسه شريكا ثم بمن أنزله تلك المنزلة ، فتشوفت النفس إلى مبادرة الرؤساء بالجواب خوفا من حلول العقاب بهم وزيادتهم بقيادتهم عليهم ، فقيل : قالوا : هكذا الأصل ، ولكنه أظهر إعلاما بالوصف الذي أوجب لهم القول فقال : قال الذين حق أي : ثبت ووجب عليهم القول أي : وقع عليهم معنى هذا الاسم وتناولهم ، وهو العذاب المتوعد به بأعظم القول ، وهم أئمة الكفر ، وقادة الجهل ، بإنزالهم أنفسهم منزلة الشركاء ، وأفهم بإسقاط الأداة كعادة أهل القرب والتعبير بوصف الإحسان [ ص: 334 ] أنهم وصلوا بعد السماجة والكبر إلى غاية الترقق والذل ، فقال معبرا عن قولهم : ربنا هؤلاء إشارة إلى الأتباع الذين أغوينا أي : أوقعنا الإغواء وهو الإضلال بهم بما زينا لهم من الأقوال التي أعاننا على قبولهم أنها منا ، مع كونها ظاهرة العوار ، واضحة العار ، ما خولتنا فيه في الدنيا من الجاه والمال; ثم استأنفوا ما يظنون أنه يدفع عنهم فقالوا : أغويناهم أي : فغووا باختيارهم كما غوينا أي : نحن لما أغوانا بما زين لنا من فوقنا حتى تبعناهم ، لم يكن هناك إكراه منا ولا إجبار ، مع ما أتاهم من الرسل ولهم من العقول ، كما غوينا نحن باختيارنا ، لم يكن ممن فوقنا إجبار لنا كما قال إبليس : وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فالآية من الاحتباك : حذف أولا " فغووا " لدلالة غوينا عليه ، وثانيا "لما أغوانا ، من قبلنا" لدلالة أغويناهم عليه ومرادهم ، بقولهم هذا السفساف أنه لا لوم علينا في الحقيقة بسببهم ، وهذا معنى قولهم : تبرأنا إليك أي : من أمرهم ، فلا يلزمنا عقوبة بسببهم ، فهو تقرير لما قبل وتصريح به.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان يعلمون أنهم غير مؤمنين من أمرهم ، تبرؤوا من انفرادهم [ ص: 335 ] بإضلالهم ، فقالوا لمن كأنه قال : ما وجه براءتكم وقد أقررتم بإغوائهم؟ : ما كانوا إيانا أي : خاصة يعبدون بل كانوا يعبدون الأوثان بما زينت لهم أهواؤهم وإن كان لنا فيه نوع دعاء لهم إليه وحث عليه ، فأقل ما نريد أن يوزع العذاب على كل من كان سببا في ذلك كما في الآية الأخرى فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء وضل عن الجهلة أن هذا لا يغنيهم عن الله شيئا ، فإن الكل في العذاب وليس يغني أحد منهم عن أحد شيئا ، قال : لكل ضعف ولكن لا تعلمون

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية