فصل منزلة الصدق
ومن منازل
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين nindex.php?page=treesubj&link=19476منزلة الصدق وهي منزلة القوم الأعظم . الذي منه تنشأ جميع منازل السالكين ، والطريق الأقوم الذي من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين . وبه تميز أهل النفاق من أهل الإيمان ، وسكان الجنان من أهل النيران . وهو سيف الله في أرضه الذي ما وضع على شيء إلا قطعه . ولا واجه باطلا إلا أرداه وصرعه . من صال به لم ترد صولته . ومن نطق به علت على الخصوم كلمته . فهو روح الأعمال ، ومحك الأحوال ، والحامل على اقتحام الأهوال ، والباب الذي دخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال . وهو أساس بناء الدين ، وعمود فسطاط اليقين . ودرجته تالية لدرجة النبوة التي هي أرفع درجات العالمين . ومن مساكنهم في الجنات تجرى العيون والأنهار إلى مساكن الصديقين . كما كان من قلوبهم إلى قلوبهم في هذه الدار مدد متصل ومعين .
وقد أمر الله سبحانه أهل الإيمان : أن يكونوا مع الصادقين . وخص المنعم عليهم بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين . فقال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=119ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فهم الرفيق الأعلى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69وحسن أولئك رفيقا ولا يزال الله يمدهم بأنعمه وألطافه ومزيده إحسانا منه وتوفيقا . ولهم مرتبة المعية مع الله . فإن الله مع الصادقين ، ولهم منزلة القرب منه . إذ درجتهم منه ثاني درجة النبيين .
وأخبر تعالى أن من صدقه فهو خير له . فقال
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=21فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم .
[ ص: 258 ] وأخبر تعالى عن أهل البر . وأثنى عليهم بأحسن أعمالهم : من الإيمان ، والإسلام ، والصدقة ، والصبر . بأنهم أهل الصدق فقال
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون وهذا صريح في أن الصدق بالأعمال الظاهرة والباطنة . وأن الصدق هو مقام الإسلام والإيمان .
وقسم الله سبحانه الناس إلى صادق ومنافق . فقال
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=24ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم .
nindex.php?page=treesubj&link=19479والإيمان أساسه الصدق .
nindex.php?page=treesubj&link=19006والنفاق أساسه الكذب . فلا يجتمع كذب وإيمان إلا وأحدهما محارب للآخر .
وأخبر سبحانه : أنه في
nindex.php?page=treesubj&link=19476يوم القيامة لا ينفع العبد وينجيه من عذابه إلا صدقه . قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=119هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=33والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون فالذي جاء بالصدق : هو من شأنه الصدق في قوله وعمله وحاله . فالصدق : في هذه الثلاثة .
nindex.php?page=treesubj&link=19486فالصدق في الأقوال : استواء اللسان على الأقوال ، كاستواء السنبلة على ساقها . والصدق في الأعمال : استواء الأفعال على الأمر والمتابعة . كاستواء الرأس على الجسد . والصدق في الأحوال : استواء أعمال القلب والجوارح على الإخلاص . واستفراغ الوسع ، وبذل الطاقة ، فبذلك يكون العبد من الذين جاءوا بالصدق . وبحسب كمال هذه الأمور فيه وقيامها به : تكون صديقيته . ولذلك كان
nindex.php?page=showalam&ids=1لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه : ذروة سنام الصديقية ، سمي الصديق على الإطلاق ، والصديق أبلغ من الصدوق والصدوق أبلغ من الصادق .
nindex.php?page=treesubj&link=19485فأعلى مراتب الصدق : مرتبة الصديقية . وهي كمال الانقياد للرسول صلى الله عليه وسلم ، مع كمال الإخلاص للمرسل .
[ ص: 259 ] وقد أمر الله تعالى رسوله : أن يسأله أن يجعل مدخله ومخرجه على الصدق . فقال
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=80وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا وأخبر عن خليله
إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، أنه سأله أن يهب له لسان صدق في الآخرين . فقال
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=84واجعل لي لسان صدق في الآخرين وبشر عباده بأن لهم عنده قدم صدق ، ومقعد صدق . فقال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=54إن المتقين في جنات ونهر nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55في مقعد صدق عند مليك مقتدر .
فهذه خمسة أشياء : مدخل الصدق ، ومخرج الصدق . ولسان الصدق ، وقدم الصدق ، ومقعد الصدق .
nindex.php?page=treesubj&link=19475وحقيقة الصدق في هذه الأشياء : هو الحق الثابت ، المتصل بالله ، الموصل إلى الله . وهو ما كان به وله ، من الأقوال والأعمال . وجزاء ذلك في الدنيا والآخرة .
فمدخل الصدق ، ومخرج الصدق : أن يكون دخوله وخروجه حقا ثابتا بالله ، وفي مرضاته . بالظفر بالبغية ، وحصول المطلوب ، ضد مخرج الكذب ومدخله الذي لا غاية له يوصل إليها . ولا له ساق ثابتة يقوم عليها . كمخرج أعدائه يوم
بدر . ومخرج الصدق كمخرجه صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه في تلك الغزوة .
وكذلك مدخله صلى الله عليه وسلم
المدينة : كان مدخل صدق بالله ، ولله ، وابتغاء مرضاة الله . فاتصل به التأييد ، والظفر والنصر ، وإدراك ما طلبه في الدنيا والآخرة ، بخلاف مدخل الكذب الذي رام أعداؤه أن يدخلوا به
المدينة يوم الأحزاب . فإنه لم يكن بالله ، ولا لله . بل كان محادة لله ورسوله ، فلم يتصل به إلا الخذلان والبوار .
وكذلك مدخل من دخل من
اليهود المحاربين لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصن
بني قريظة . فإنه لما كان مدخل كذب : أصابه معهم ما أصابهم .
فكل مدخل معهم ومخرج كان بالله ولله . فصاحبه ضامن على الله . فهو مدخل صدق ، ومخرج صدق .
وكان بعض السلف إذا خرج من داره : رفع رأسه إلى السماء ، وقال : اللهم إني
[ ص: 260 ] أعوذ بك أن أخرج مخرجا لا أكون فيه ضامنا عليك .
يريد : أن لا يكون المخرج مخرج صدق . ولذلك فسر مدخل الصدق ومخرجه : بخروجه صلى الله عليه وسلم من
مكة ، ودخوله
المدينة . ولا ريب أن هذا على سبيل التمثيل . فإن هذا المدخل والمخرج من أجل مداخله ومخارجه صلى الله عليه وسلم . وإلا فمداخله كلها مداخل صدق ، ومخارجه مخارج صدق . إذ هي لله وبالله وبأمره ، ولابتغاء مرضاته .
وما خرج أحد من بيته ودخل سوقه - أو مدخلا آخر - إلا بصدق أو بكذب ، فمخرج كل واحد ومدخله : لا يعدو الصدق والكذب . والله المستعان .
وأما لسان الصدق : فهو
nindex.php?page=treesubj&link=19493الثناء الحسن عليه صلى الله عليه وسلم من سائر الأمم بالصدق . ليس ثناء بالكذب . كما قال عن
إبراهيم وذريته من الأنبياء والرسل عليهم صلوات الله وسلامه
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=50وجعلنا لهم لسان صدق عليا والمراد باللسان هاهنا : الثناء الحسن . فلما كان الصدق باللسان ، وهو محله . أطلق الله سبحانه ألسنة العباد بالثناء على الصادق ، جزاء وفاقا . وعبر به عنه .
فإن اللسان يراد به ثلاثة معان : هذا ، واللغة . كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=4وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=22واختلاف ألسنتكم وألوانكم وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=103لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ويراد به الجارحة نفسها . كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لا تحرك به لسانك لتعجل به .
وأما قدم الصدق : ففسر بالجنة . وفسر
بمحمد صلى الله عليه وسلم . وفسر بالأعمال الصالحة .
وحقيقة القدم ما قدموه . وما يقدمون عليه يوم القيامة . وهم قدموا الأعمال والإيمان
بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ويقدمون على الجنة التي هي جزاء ذلك .
فمن فسره بها أراد : ما يقدمون عليه . ومن فسره بالأعمال وبالنبي صلى الله عليه وسلم : فلأنهم قدموها . وقدموا الإيمان به بين أيديهم . فالثلاثة قدم صدق . وأما مقعد الصدق : فهو الجنة عند الرب تبارك وتعالى .
[ ص: 261 ] ووصف ذلك كله بالصدق مستلزم ثبوته واستقراره ، وأنه حق ، ودوامه ونفعه ، وكمال عائدته . فإنه متصل بالحق سبحانه ، كائن به وله . فهو صدق غير كذب . وحق غير باطل . ودائم غير زائل . ونافع غير ضار . وما للباطل ومتعلقاته إليه سبيل ولا مدخل .
ومن
nindex.php?page=treesubj&link=19484علامات الصدق : طمأنينة القلب إليه . ومن
nindex.php?page=treesubj&link=19005علامات الكذب : حصول الريبة ، كما في
الترمذي - مرفوعا - من حديث
الحسن بن علي رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980464الصدق طمأنينة . والكذب ريبة . وفي الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980465إن الصدق يهدي إلى البر . وإن البر يهدي إلى الجنة . وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا . وإن الكذب يهدي إلى الفجور . وإن الفجور يهدي إلى النار . وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا فجعل الصدق مفتاح الصديقية ومبدأها . وهي غايته . فلا ينال درجتها كاذب ألبتة . لا في قوله : ، ولا في عمله ، ولا في حاله . ولا سيما كاذب على الله في أسمائه وصفاته ، ونفي ما أثبته . أو إثبات ما نفاه عن نفسه . فليس في هؤلاء صديق أبدا .
وكذلك الكذب عليه في دينه وشرعه . بتحليل ما حرمه . وتحريم ما لم يحرمه . وإسقاط ما أوجبه ، وإيجاب ما لم يوجبه ، وكراهة ما أحبه ، واستحباب ما لم يحبه . كل ذلك مناف للصديقية .
وكذلك الكذب معه في الأعمال : بالتحلي بحلية الصادقين المخلصين ، والزاهدين المتوكلين . وليس في الحقيقة منهم .
فلذلك كانت الصديقية : كمال الإخلاص والانقياد ، والمتابعة للخبر والأمر ، ظاهرا
[ ص: 262 ] وباطنا ، حتى إن صدق المتبايعين يحل البركة في بيعهما . وكذبهما يمحق بركة بيعهما . كما في الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=137حكيم بن حزام رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980466البيعان بالخيار ما لم يتفرقا . فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما . وإن كذبا وكتما : محقت بركة بيعهما .
فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الصِّدْقِ
وَمِنْ مَنَازِلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ nindex.php?page=treesubj&link=19476مَنْزِلَةُ الصِّدْقِ وَهِيَ مَنْزِلَةُ الْقَوْمِ الْأَعْظَمِ . الَّذِي مِنْهُ تَنْشَأُ جَمِيعُ مَنَازِلِ السَّالِكِينَ ، وَالطَّرِيقُ الْأَقْوَمُ الَّذِي مَنْ لَمْ يَسِرْ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنَ الْمُنْقَطِعِينَ الْهَالِكِينَ . وَبِهِ تَمَيَّزَ أَهْلُ النِّفَاقِ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ ، وَسُكَّانُ الْجِنَانِ مِنْ أَهْلِ النِّيرَانِ . وَهُوَ سَيْفُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ الَّذِي مَا وُضِعَ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا قَطَعَهُ . وَلَا وَاجَهَ بَاطِلًا إِلَّا أَرْدَاهُ وَصَرَعَهُ . مَنْ صَالَ بِهِ لَمْ تُرَدَّ صَوْلَتُهُ . وَمَنْ نَطَقَ بِهِ عَلَتْ عَلَى الْخُصُومِ كَلِمَتُهُ . فَهُوَ رُوحُ الْأَعْمَالِ ، وَمَحَكُّ الْأَحْوَالِ ، وَالْحَامِلُ عَلَى اقْتِحَامِ الْأَهْوَالِ ، وَالْبَابُ الَّذِي دَخَلَ مِنْهُ الْوَاصِلُونَ إِلَى حَضْرَةِ ذِي الْجَلَالِ . وَهُوَ أَسَاسُ بِنَاءِ الدِّينِ ، وَعَمُودُ فُسْطَاطِ الْيَقِينِ . وَدَرَجَتُهُ تَالِيَةٌ لِدَرَجَةِ النُّبُوَّةِ الَّتِي هِيَ أَرْفَعُ دَرَجَاتِ الْعَالِمِينَ . وَمِنْ مَسَاكِنِهِمْ فِي الْجَنَّاتِ تُجْرَى الْعُيُونُ وَالْأَنْهَارُ إِلَى مَسَاكِنِ الصِّدِّيقِينَ . كَمَا كَانَ مِنْ قُلُوبِهِمْ إِلَى قُلُوبِهِمْ فِي هَذِهِ الدَّارِ مَدَدٌ مُتَّصِلٌ وَمَعِينٌ .
وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَهْلَ الْإِيمَانِ : أَنْ يَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ . وَخَصَّ الْمُنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالنَّبِيَّيْنِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ . فَقَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=119يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ فَهُمُ الرَّفِيقُ الْأَعْلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا وَلَا يَزَالُ اللَّهُ يَمُدُّهُمْ بِأَنْعُمِهِ وَأَلْطَافِهِ وَمَزِيدِهِ إِحْسَانًا مِنْهُ وَتَوْفِيقًا . وَلَهُمْ مَرْتَبَةُ الْمَعِيَّةِ مَعَ اللَّهِ . فَإِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّادِقِينَ ، وَلَهُمْ مَنْزِلَةُ الْقُرْبِ مِنْهُ . إِذْ دَرَجَتُهُمْ مِنْهُ ثَانِي دَرَجَةِ النَّبِيِّينَ .
وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ مَنْ صَدَقَهُ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ . فَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=21فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ .
[ ص: 258 ] وَأَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الْبِرِّ . وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ بِأَحْسَنِ أَعْمَالِهِمْ : مِنَ الْإِيمَانِ ، وَالْإِسْلَامِ ، وَالصَّدَقَةِ ، وَالصَّبْرِ . بِأَنَّهُمْ أَهْلُ الصِّدْقِ فَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الصِّدْقَ بِالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ . وَأَنَّ الصِّدْقَ هُوَ مَقَامُ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ .
وَقَسَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ النَّاسَ إِلَى صَادِقٍ وَمُنَافِقٍ . فَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=24لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ .
nindex.php?page=treesubj&link=19479وَالْإِيمَانُ أَسَاسُهُ الصِّدْقُ .
nindex.php?page=treesubj&link=19006وَالنِّفَاقُ أَسَاسُهُ الْكَذِبُ . فَلَا يَجْتَمِعُ كَذِبٌ وَإِيمَانٌ إِلَّا وَأَحَدُهُمَا مُحَارِبٌ لِلْآخَرِ .
وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ : أَنَّهُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=19476يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَنْفَعُ الْعَبْدَ وَيُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِهِ إِلَّا صِدْقُهُ . قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=119هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=33وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ فَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ : هُوَ مِنْ شَأْنِهِ الصِّدْقُ فِي قَوْلِهِ وَعَمَلِهِ وَحَالِهِ . فَالصِّدْقُ : فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ .
nindex.php?page=treesubj&link=19486فَالصِّدْقُ فِي الْأَقْوَالِ : اسْتِوَاءُ اللِّسَانِ عَلَى الْأَقْوَالِ ، كَاسْتِوَاءِ السُّنْبُلَةِ عَلَى سَاقِهَا . وَالصِّدْقُ فِي الْأَعْمَالِ : اسْتِوَاءُ الْأَفْعَالِ عَلَى الْأَمْرِ وَالْمُتَابَعَةِ . كَاسْتِوَاءِ الرَّأْسِ عَلَى الْجَسَدِ . وَالصِّدْقُ فِي الْأَحْوَالِ : اسْتِوَاءُ أَعْمَالِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ عَلَى الْإِخْلَاصِ . وَاسْتِفْرَاغُ الْوُسْعِ ، وَبَذْلُ الطَّاقَةِ ، فَبِذَلِكَ يَكُونُ الْعَبْدُ مِنَ الَّذِينَ جَاءُوا بِالصِّدْقِ . وَبِحَسَبِ كَمَالِ هَذِهِ الْأُمُورِ فِيهِ وَقِيَامِهَا بِهِ : تَكُونُ صِدِّيقِيَّتُهُ . وَلِذَلِكَ كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=1لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ : ذُرْوَةُ سَنَامِ الصِّدِّيقِيَّةِ ، سُمِّيَ الصِّدِّيقَ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَالصِّدِّيقُ أَبْلَغُ مِنَ الصَّدُوقِ وَالصَّدُوقُ أَبْلَغُ مِنَ الصَّادِقِ .
nindex.php?page=treesubj&link=19485فَأَعْلَى مَرَاتِبِ الصِّدْقِ : مَرْتَبَةُ الصِّدِّيقِيَّةِ . وَهِيَ كَمَالُ الِانْقِيَادِ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَعَ كَمَالِ الْإِخْلَاصِ لِلْمُرْسِلِ .
[ ص: 259 ] وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ : أَنْ يَسْأَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ مُدْخَلَهُ وَمُخْرَجَهُ عَلَى الصِّدْقِ . فَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=80وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا وَأَخْبَرَ عَنْ خَلِيلِهِ
إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ سَأَلَهُ أَنْ يَهَبَ لَهُ لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ . فَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=84وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ وَبَشَّرَ عِبَادَهُ بِأَنَّ لَهُمْ عِنْدَهُ قَدَمَ صِدْقٍ ، وَمَقْعَدَ صِدْقٍ . فَقَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=54إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ .
فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ : مُدْخَلُ الصِّدْقِ ، وَمُخْرَجُ الصِّدْقِ . وَلِسَانُ الصِّدْقِ ، وَقَدَمُ الصِّدْقِ ، وَمَقْعَدُ الصِّدْقِ .
nindex.php?page=treesubj&link=19475وَحَقِيقَةُ الصِّدْقِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ : هُوَ الْحَقُّ الثَّابِتُ ، الْمُتَّصِلُ بِاللَّهِ ، الْمُوَصِّلُ إِلَى اللَّهِ . وَهُوَ مَا كَانَ بِهِ وَلَهُ ، مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ . وَجَزَاءُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
فَمُدْخَلُ الصِّدْقِ ، وَمُخْرَجُ الصِّدْقِ : أَنْ يَكُونَ دُخُولُهُ وَخُرُوجُهُ حَقًّا ثَابِتًا بِاللَّهِ ، وَفِي مَرْضَاتِهِ . بِالظَّفَرِ بِالْبُغْيَةِ ، وَحُصُولِ الْمَطْلُوبِ ، ضِدَّ مُخْرَجِ الْكَذِبِ وَمُدْخَلِهِ الَّذِي لَا غَايَةَ لَهُ يُوَصَلُ إِلَيْهَا . وَلَا لَهُ سَاقٌ ثَابِتَةٌ يَقُومُ عَلَيْهَا . كَمُخْرَجِ أَعْدَائِهِ يَوْمَ
بَدْرٍ . وَمُخْرَجُ الصِّدْقِ كَمُخْرَجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ .
وَكَذَلِكَ مُدْخَلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمَدِينَةَ : كَانَ مُدْخَلُ صِدْقٍ بِاللَّهِ ، وَلِلَّهِ ، وَابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ . فَاتَّصَلَ بِهِ التَّأْيِيدُ ، وَالظَّفَرُ وَالنَّصْرُ ، وَإِدْرَاكُ مَا طَلَبَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، بِخِلَافِ مُدْخَلِ الْكَذِبِ الَّذِي رَامَ أَعْدَاؤُهُ أَنْ يَدْخُلُوا بِهِ
الْمَدِينَةَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ . فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِاللَّهِ ، وَلَا لِلَّهِ . بَلْ كَانَ مُحَادَّةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ، فَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ إِلَّا الْخِذْلَانُ وَالْبَوَارُ .
وَكَذَلِكَ مُدْخَلُ مَنْ دَخَلَ مِنَ
الْيَهُودِ الْمُحَارِبِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِصْنَ
بَنِي قُرَيْظَةَ . فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مُدْخَلَ كَذِبٍ : أَصَابَهُ مَعَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ .
فَكُلُّ مُدْخَلٍ مَعَهُمْ وَمُخْرَجٍ كَانَ بِاللَّهِ وَلِلَّهِ . فَصَاحِبُهُ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ . فَهُوَ مُدْخَلُ صِدْقٍ ، وَمُخْرَجُ صِدْقٍ .
وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ إِذَا خَرَجَ مِنْ دَارِهِ : رَفَعَ رَأَسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي
[ ص: 260 ] أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُخْرَجَ مُخْرَجًا لَا أَكُونُ فِيهِ ضَامِنًا عَلَيْكَ .
يُرِيدُ : أَنْ لَا يَكُونَ الْمُخْرَجُ مُخْرَجَ صِدْقٍ . وَلِذَلِكَ فُسِّرَ مُدْخَلُ الصِّدْقِ وَمُخْرَجُهُ : بِخُرُوجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
مَكَّةَ ، وَدُخُولِهِ
الْمَدِينَةَ . وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ . فَإِنَّ هَذَا الْمُدْخَلَ وَالْمُخْرَجَ مِنْ أَجَلِّ مَدَاخِلِهِ وَمَخَارِجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَإِلَّا فَمَدَاخِلُهُ كُلُّهَا مَدَاخِلُ صِدْقٍ ، وَمَخَارِجُهُ مَخَارِجُ صِدْقٍ . إِذْ هِيَ لِلَّهِ وَبِاللَّهِ وَبِأَمْرِهِ ، وَلِابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِ .
وَمَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ بَيْتِهِ وَدَخَلَ سُوقَهُ - أَوْ مُدْخَلًا آخَرَ - إِلَّا بِصِدْقٍ أَوْ بِكَذِبٍ ، فَمُخْرَجُ كُلِّ وَاحِدٍ وَمُدْخَلُهُ : لَا يَعْدُو الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ . وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .
وَأَمَّا لِسَانُ الصِّدْقِ : فَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=19493الثَّنَاءُ الْحَسَنُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ بِالصِّدْقِ . لَيْسَ ثَنَاءً بِالْكَذِبِ . كَمَا قَالَ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ وَذُرِّيَّتِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=50وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا وَالْمُرَادُ بِاللِّسَانِ هَاهُنَا : الثَّنَاءُ الْحَسَنُ . فَلَمَّا كَانَ الصِّدْقُ بِاللِّسَانِ ، وَهُوَ مَحَلُّهُ . أَطْلَقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَلْسِنَةَ الْعِبَادِ بِالثَّنَاءِ عَلَى الصَّادِقِ ، جَزَاءً وِفَاقًا . وَعَبَّرَ بِهِ عَنْهُ .
فَإِنَّ اللِّسَانَ يُرَادُ بِهِ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ : هَذَا ، وَاللُّغَةُ . كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=4وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=22وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=103لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ وَيُرَادُ بِهِ الْجَارِحَةُ نَفْسُهَا . كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=16لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ .
وَأَمَّا قَدَمُ الصِّدْقِ : فَفُسِّرَ بِالْجَنَّةِ . وَفُسِّرَ
بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَفُسِّرَ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ .
وَحَقِيقَةُ الْقَدَمِ مَا قَدَّمُوهُ . وَمَا يُقْدِمُونَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . وَهُمْ قَدَّمُوا الْأَعْمَالَ وَالْإِيمَانَ
بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَقْدَمُونَ عَلَى الْجَنَّةِ الَّتِي هِيَ جَزَاءُ ذَلِكَ .
فَمَنْ فَسَّرَهُ بِهَا أَرَادَ : مَا يَقْدَمُونَ عَلَيْهِ . وَمَنْ فَسَّرَهُ بِالْأَعْمَالِ وَبِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَلِأَنَّهُمْ قَدَّمُوهَا . وَقَدَّمُوا الْإِيمَانَ بِهِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ . فَالثَّلَاثَةُ قَدَمُ صِدْقٍ . وَأَمَّا مَقْعَدُ الصِّدْقِ : فَهُوَ الْجَنَّةُ عِنْدَ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى .
[ ص: 261 ] وَوَصْفُ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالصِّدْقِ مُسْتَلْزِمٌ ثُبُوتَهُ وَاسْتِقْرَارَهُ ، وَأَنَّهُ حَقُّ ، وَدَوَامَهُ وَنَفْعَهُ ، وَكَمَالَ عَائِدَتِهِ . فَإِنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالْحَقِّ سُبْحَانَهُ ، كَائِنٌ بِهِ وَلَهُ . فَهُوَ صِدْقٌ غَيْرُ كَذِبٍ . وَحَقٌّ غَيْرُ بَاطِلٍ . وَدَائِمٌ غَيْرُ زَائِلٍ . وَنَافِعٌ غَيْرُ ضَارٍّ . وَمَا لِلْبَاطِلِ وَمُتَعَلَّقَاتِهِ إِلَيْهِ سَبِيلٌ وَلَا مَدْخَلٌ .
وَمِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=19484عَلَامَاتِ الصِّدْقِ : طُمَأْنِينَةُ الْقَلْبِ إِلَيْهِ . وَمِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=19005عَلَامَاتِ الْكَذِبِ : حُصُولُ الرِّيبَةِ ، كَمَا فِي
التِّرْمِذِيِّ - مَرْفُوعًا - مِنْ حَدِيثِ
الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980464الصِّدْقُ طُمَأْنِينَةٌ . وَالْكَذِبُ رِيبَةٌ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980465إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ . وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ . وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا . وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ . وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ . وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتُبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا فَجَعَلَ الصِّدْقَ مِفْتَاحَ الصِّدِّيقِيَّةِ وَمَبْدَأَهَا . وَهِيَ غَايَتُهُ . فَلَا يَنَالُ دَرَجَتَهَا كَاذِبٌ أَلْبَتَّةَ . لَا فِي قَوْلِهِ : ، وَلَا فِي عَمَلِهِ ، وَلَا فِي حَالِهِ . وَلَا سِيَّمَا كَاذِبٌ عَلَى اللَّهِ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ ، وَنَفْيِ مَا أَثْبَتَهُ . أَوْ إِثْبَاتِ مَا نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ . فَلَيْسَ فِي هَؤُلَاءِ صِدِّيقٌ أَبَدًا .
وَكَذَلِكَ الْكَذِبُ عَلَيْهِ فِي دِينِهِ وَشَرْعِهِ . بِتَحْلِيلِ مَا حَرَّمَهُ . وَتَحْرِيمِ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ . وَإِسْقَاطِ مَا أَوْجَبَهُ ، وَإِيجَابِ مَا لَمْ يُوجِبْهُ ، وَكَرَاهَةِ مَا أَحَبَّهُ ، وَاسْتِحْبَابِ مَا لَمْ يُحِبَّهُ . كُلُّ ذَلِكَ مُنَافٍ لِلصِّدِّيقِيَّةِ .
وَكَذَلِكَ الْكَذِبُ مَعَهُ فِي الْأَعْمَالِ : بِالتَّحَلِّي بِحِلْيَةِ الصَّادِقِينَ الْمُخْلِصِينَ ، وَالزَّاهِدِينَ الْمُتَوَكِّلِينَ . وَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْهُمْ .
فَلِذَلِكَ كَانَتِ الصِّدِّيقِيَّةُ : كَمَالَ الْإِخْلَاصِ وَالِانْقِيَادِ ، وَالْمُتَابَعَةَ لِلْخَبَرِ وَالْأَمْرِ ، ظَاهِرًا
[ ص: 262 ] وَبَاطِنًا ، حَتَّى إِنَّ صِدْقَ الْمُتَبَايِعَيْنِ يُحِلُّ الْبَرَكَةَ فِي بَيْعِهِمَا . وَكَذِبَهُمَا يَمْحَقُ بَرَكَةَ بَيْعِهِمَا . كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=137حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980466الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا . فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا . وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا : مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا .