القول في تأويل
nindex.php?page=treesubj&link=28991_32016قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=128أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات لأولي النهى ( 128 ) )
يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : أفلم يهد لقومك المشركين بالله ، ومعنى يهد : يبين . يقول : أفلم يبين لهم كثرة ما أهلكنا قبلهم من الأمم التي سلكت قبلها التي يمشون في مساكنهم ودورهم ، ويرون آثار عقوباتنا التي أحللناها بهم سوء مغبة ما هم عليه مقيمون من الكفر بآياتنا ، ويتعظوا بهم ، ويعتبروا ، وينيبوا إلى الإذعان ، ويؤمنوا بالله ورسوله ، خوفا أن يصيبهم بكفرهم بالله مثل ما أصابهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد عن
قتادة قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=128كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم ) لأن
قريشا كانت تتجر إلى
الشأم ، فتمر بمساكن
عاد وثمود ومن أشبههم ، فترى آثار وقائع الله تعالى بهم ، فلذلك قال لهم : أفلم يحذرهم ما يرون من فعلنا بهم بكفرهم بنا نزول مثله لهم ، وهم على مثل فعلهم مقيمون ، وكان الفراء يقول : لا يجوز
[ ص: 398 ] في كم في هذا الموضع أن يكون إلا نصبا ب " أهلكنا " ، وكان يقول : وهو وإن لم يكن إلا نصبا ، فإن جملة الكلام رفع بقوله ( يهد لهم ) ويقول : ذلك مثل قول القائل : قد تبين لي أقام عمرو أم زيد في الاستفهام ، وكقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=193سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون ) ويزعم أن فيه شيئا يرفع سواء لا يظهر مع الاستفهام ، قال : ولو قلت : سواء عليكم صمتكم ودعاؤكم تبين ذلك الرفع الذي في الجملة ، وليس الذي قال الفراء من ذلك ، كما قال : لأن كم وإن كانت من حروف الاستفهام فإنها لم تجعل في هذا الموضع للاستفهام ، بل هي واقعة موقع الأسماء الموصوفة ، ومعنى الكلام ما قد ذكرنا قبل وهو أفلم يبين لهم كثرة إهلاكنا قبلهم القرون التي يمشون في مساكنهم ، أو أفلم تهدهم القرون الهالكة ، وقد ذكر أن ذلك في قراءة
عبد الله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=128أفلم يهد لهم من أهلكنا ) فكم واقعة موقع من في قراءة
عبد الله ، هي في موضع رفع بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=128يهد لهم ) وهو أظهر وجوهه ، وأصح معانيه ، وإن كان الذي قاله وجه ومذهب على بعد .
وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=54إن في ذلك لآيات لأولي النهى ) يقول تعالى ذكره : إن فيما يعاين هؤلاء ويرون من آثار وقائعنا بالأمم المكذبة رسلها قبلهم ، وحلول مثلاتنا بهم لكفرهم بالله ( لآيات ) يقول : لدلالات وعبرا وعظات (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=54لأولي النهى ) يعني : لأهل الحجا والعقول ، ومن ينهاه عقله وفهمه ودينه عن مواقعة ما يضره .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال : ثني
معاوية عن
علي عن
ابن عباس قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=54لأولي النهى ) يقول : التقى .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد عن
قتادة (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=54إن في ذلك لآيات لأولي النهى ) أهل الورع .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ
nindex.php?page=treesubj&link=28991_32016قَوْلِهِ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=128أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى ( 128 ) )
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَفَلَمْ يَهْدِ لِقَوْمِكَ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ ، وَمَعْنَى يَهْدِ : يُبَيَّنُ . يَقُولُ : أَفَلَمْ يُبَيَّنْ لَهُمْ كَثْرَةُ مَا أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي سَلَكَتْ قَبْلَهَا الَّتِي يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ وَدُورِهِمْ ، وَيَرَوْنَ آثَارَ عُقُوبَاتِنَا الَّتِي أَحْلَلْنَاهَا بِهِمْ سُوءَ مَغَبَّةِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنَ الْكُفْرِ بِآيَاتِنَا ، وَيَتَّعِظُوا بِهِمْ ، وَيَعْتَبِرُوا ، وَيُنِيبُوا إِلَى الْإِذْعَانِ ، وَيُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ، خَوْفًا أَنْ يُصِيبَهُمْ بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ مِثْلَ مَا أَصَابَهُمْ .
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا
بِشْرٌ قَالَ : ثَنَا
يَزِيدُ قَالَ : ثَنَا
سَعِيدٌ عَنْ
قَتَادَةَ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=128كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ ) لِأَنَّ
قُرَيْشًا كَانَتْ تَتَّجِرُ إِلَى
الشَّأْمِ ، فَتَمُرُّ بِمَسَاكِنِ
عَادٍ وَثَمُودَ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ ، فَتَرَى آثَارَ وَقَائِعَ اللَّهِ تَعَالَى بِهِمْ ، فَلِذَلِكَ قَالَ لَهُمْ : أَفَلَمْ يُحَذِّرْهُمْ مَا يَرَوْنَ مِنْ فِعْلِنَا بِهِمْ بِكُفْرِهِمْ بِنَا نُزُولَ مِثْلِهِ لَهُمْ ، وَهُمْ عَلَى مِثْلِ فِعْلِهِمْ مُقِيمُونَ ، وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَقُولُ : لَا يَجُوزُ
[ ص: 398 ] فِي كَمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنْ يَكُونَ إِلَّا نَصْبًا بِ " أَهْلَكْنَا " ، وَكَانَ يَقُولُ : وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا نَصْبًا ، فَإِنَّ جُمْلَةَ الْكَلَامِ رُفِعَ بِقَوْلِهِ ( يَهْدِ لَهُمْ ) وَيَقُولُ : ذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ الْقَائِلِ : قَدْ تَبَيَّنَ لِي أَقَامَ عَمْرٌو أَمْ زَيْدٌ فِي الِاسْتِفْهَامِ ، وَكَقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=193سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ ) وَيَزْعُمُ أَنَّ فِيهِ شَيْئًا يَرْفَعُ سَوَاءً لَا يَظْهَرُ مَعَ الِاسْتِفْهَامِ ، قَالَ : وَلَوْ قُلْتُ : سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ صَمْتُكُمْ وَدُعَاؤُكُمْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ الرَّفْعُ الَّذِي فِي الْجُمْلَةِ ، وَلَيْسَ الَّذِي قَالَ الْفَرَّاءُ مِنْ ذَلِكَ ، كَمَا قَالَ : لِأَنَّ كَمْ وَإِنَّ كَانَتْ مِنْ حُرُوفِ الِاسْتِفْهَامِ فَإِنَّهَا لَمْ تُجْعَلْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِلِاسْتِفْهَامِ ، بَلْ هِيَ وَاقِعَةٌ مُوْقِعَ الْأَسْمَاءِ الْمَوْصُوفَةِ ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ مَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ وَهُوَ أَفَلَمْ يُبَيَّنْ لَهُمْ كَثْرَةُ إِهْلَاكِنَا قَبْلَهُمُ الْقُرُونَ الَّتِي يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ ، أَوْ أَفَلَمْ تَهْدِهِمُ الْقُرُونُ الْهَالِكَةُ ، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ
عَبْدِ اللَّهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=128أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ مَنْ أَهْلَكْنَا ) فَكَمْ وَاقِعَةٌ مُوْقِعَ مَنْ فِي قِرَاءَةِ
عَبْدِ اللَّهِ ، هِيَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=128يَهْدِ لَهُمْ ) وَهُوَ أَظْهِرُ وُجُوهِهِ ، وَأَصَحُّ مَعَانِيهِ ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي قَالَهُ وَجْهٌ وَمَذْهَبٌ عَلَى بُعْدٍ .
وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=54إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : إِنْ فِيمَا يُعَايِنُ هَؤُلَاءِ وَيَرَوْنَ مِنْ آثَارِ وَقَائِعِنَا بِالْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ رُسُلَهَا قَبْلَهُمْ ، وَحُلُولِ مَثُلَاتِنَا بِهِمْ لِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ ( لَآيَاتٍ ) يَقُولُ : لَدَلَالَاتٍ وَعِبَرًا وَعِظَاتٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=54لِأُولِي النُّهَى ) يَعْنِي : لِأَهْلِ الْحِجَا وَالْعُقُولِ ، وَمَنْ يَنْهَاهُ عَقْلُهُ وَفَهْمُهُ وَدِينُهُ عَنْ مُوَاقَعَةِ مَا يَضُرُّهُ .
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ قَالَ : ثَنَا
أَبُو صَالِحٍ قَالَ : ثَنِي
مُعَاوِيَةُ عَنْ
عَلِيٍّ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=54لِأُولِي النُّهَى ) يَقُولُ : الْتُقَى .
حَدَّثَنَا
بِشْرٌ قَالَ : ثَنَا
يَزِيدُ قَالَ : ثَنَا
سَعِيدٌ عَنْ
قَتَادَةَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=54إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى ) أَهْلِ الْوَرَعِ .