الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الجواب لكل من أنصف : هم في ضلال مبين لأنهم ينحتون من عند أنفسهم ما لا دليل عليه ، وأنت جئت بالهدى لأنك أتيت به عن الله ، بنى عليه قوله : وما ويجوز أن تكون الجملة حالا من الضمير في " عليك " وما بينهما اعتراض للاهتمام بالرد على المنكر للمعاد ، أي : فرضه عليك والحال أنك ما ، ويجوز أن يقال : لما كان رجوعه إلى مكة في غاية البعد لكثرة الكفار وقلة الأنصار ، قربه بقوله معلما أن كثيرا من الأمور تكون على غير رجاء ، بل وعلى خلاف القياس : وما كنت ترجو أي : في سالف الدهر بحال من الأحوال أن يلقى أي : ينزل على وجه لم يقدر على رده إليك الكتاب أي : بهذا الاعتقاد ولا بشيء منه; ولا كان هذا من شأنك ، ولا سمعه أحد منك يوما من الأيام ، ولا تأهبت لذلك أهبته العادية من تعلم خط أو مجالسة عالم ليتطرق إليك نوع اتهام ، كما يشير إليه قوله تعالى في التي بعدها : وما كنت تتلو من قبله من كتاب الآية ، واختير هنا لفظ الكتاب لأن السياق للرحمة التي من ثمراتها الاجتماع [ ص: 379 ] المحكم ، وذلك مدلول الكتاب; ثم قال : إلا أي : لكن ألقي إليك الكتاب رحمة أي : لأجل رحمة عظيمة لك ولجميع الخلائق بك ، لم تكن ترجوها من ربك أي : المحسن إليك بجعلك مصطفى لذلك ، بالدعاء إليه وقصر الهمم عليه ، وعبر بأداة الاستثناء المتصل إشارة إلى أن حاله قبل النبوة من التنزه عن عبادة الأوثان وعن القرب منها والحلف بها وعن والفواحش جميعا ، ومن الانقطاع إلى الله بالخلوة معه والتعبد له توفيقا من الله كان حال من يرجو ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما تسبب عما تقدم الاجتهاد في [تحريك الهمم إلى العكوف على] أمر الله طمعا فيما عنده سبحانه من الثواب ، وشكرا على إنزال الكتاب ، قال في سياق التأكيد لأن الطبع البشري يقتضي إدراك مظاهرة الكفار لأمر من التوفيق عظيم ، لكثرتهم وقوتهم وعزتهم : فلا تكونن [إذ ذاك] بسبب اتصافهم لك لكثرتهم ظهيرا أي : معينا للكافرين بالمكث بين ظهرانيهم ، أو بالفتور عن الاجتهاد في دعائهم ، يأسا منهم لما ترى من بعدهم من الإجابة وإن طال إنذارك ، لا تمل أنت كما لم نمل نحن ، فقد وصلنا لهم القول ، وتابعنا لهم الوعظ [ ص: 380 ] والقص ، ونحن قادرون على إهلاكهم في لحظة ، وهدايتهم في أقل لمحة ، وكما أن موسى عليه الصلاة والسلام بعد الإنعام عليه لم يكن ظهيرا للمجرمين ، وهذا تدريب من الله تعالى لأئمة الأمة في الدعاء إلى الله عند كثرة المخالف ، وقلة الناصر المحالف.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية