الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
الثامن عشر : خطاب عين والمراد غيره . كقوله ياأيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين ( الأحزاب : 1 ) الخطاب له والمراد المؤمنون : لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان تقيا ، وحاشاه من طاعة الكافرين والمنافقين . والدليل على ذلك قوله في سياق الآية : واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا ( الأحزاب : 2 ) .

وقوله - تعالى - : فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ( يونس : 94 ) بدليل قوله في صدر الآية : قل ياأيها الناس إن كنتم في شك من ديني ( يونس : 104 ) .

ومنهم من أجراه على حقيقته وأوله ، قال أبو عمر الزاهد في الياقوتة : سمعت الإمامين ثعلب والمبرد يقولان : معنى فإن كنت في شك أي قل يا محمد للكافر : إن كنت في شك من القرآن فاسأل من أسلم من اليهود ؛ إنهم أعلم به من أجل أنهم أصحاب كتاب .

وقوله : عفا الله عنك لم أذنت لهم ( التوبة : 43 ) قال ابن فورك : معناه وسع الله عنك على وجه الدعاء ، و لم أذنت لهم ( التوبة : 43 ) تغليظ على المنافقين وهو في الحقيقة عتاب راجع إليهم ؛ وإن كان في الظاهر للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، كقوله : فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك ( يونس : 94 ) .

وقوله : عبس وتولى ( عبس : 1 ) قيل إنه أمية ، وهو الذي تولى دون النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ألا ترى أنه لم يقل : عبست !

وقوله : ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ( الزمر : 65 ) . وقوله : ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين ( البقرة : 145 ) .

[ ص: 368 ] وبهذا يزول الإشكال المشهور في أنه : كيف يصح خطابه - صلى الله عليه وسلم - مع ثبوت عصمته عن ذلك كله ؟ ويجاب أيضا بأن ذلك على سبيل الفرض ، والمحال يصح فرضه لغرض .

والتحقيق أن هذا ونحوه من باب خطاب العام من غير قصد شخص معين ؛ والمعنى اتفاق جميع الشرائع على ذلك . ويستراح حينئذ من إيراد هذا السؤال من أصله .

وعكس هذا أن يكون المراد عاما ، والمراد الرسول ، قوله : لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم الآية ( الأنبياء : 10 ) بدليل قوله في سياقها : أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ( يونس : 99 ) .

وأما قوله في سورة الأنعام : ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين ( الآية : 35 ) فليس من هذا الباب . قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون التقدير : فلا تكونن من الجاهلين في ألا تعلم أن الله لو شاء لجمعهم . ويحتمل أن يهتم بوجود كفرهم الذي قدره الله وأراده . ثم قال : ويظهر تباين ما بين قوله - تعالى - لمحمد - صلى الله عليه وسلم - : فلا تكونن من الجاهلين وبين قوله - عز وجل - لنوح عليه السلام : إني أعظك أن تكون من الجاهلين ( هود : 46 ) وقد تقرر أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - أفضل الأنبياء .

وقال مكي والمهدوي : الخطاب بقوله : فلا تكونن من الجاهلين ( الأنعام : 35 ) للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، والمراد أمته ، وهذا ضعيف ولا يقتضيه اللفظ .

وقال قوم : وقر نوح عليه السلام لسنه وشيبه .

وقال قوم : جاء الحمل على النبي - صلى الله عليه وسلم - لقربه من الله ومكانته ، كما يحمل العاتب على قريبه أكثر من حمله على الأجانب . قال : والوجه القوي عندي في الآية هو أن ذلك لم يجئ بحسب النبيين ، وإنما جاء بحسب الأمر من الله ، ووقع النبي عنهما والعقاب فيهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية