الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان قد فعل بهم سبحانه من الأمن الشديد المديد في البر دون سائر العرب عكس ما ذكر من حال خوفهم الشديد في البحر ، وكان قادرا على إخافتهم في البر كما قدر على إخافتهم في البحر ليدوم إخلاصهم ، وكان كفرهم عند الأمن بعد الإخلاص عند الخوف - مع أنه أعظم النقائص - [هزلا] لا يفعله إلا من أمن مثل تلك المصيبة في البر ، توجه الإنكار في نحو أن يقال : ألم يروا أنا قادرون على إخافتهم وإهلاكهم في البر كما نحن قادرون على ذلك في البحر كما فعلنا بغيرهم ، فعطف عليه قوله : أولم يروا [أي : ] بعيون بصائرهم أنا جعلنا أي : بعظمتنا لهم حرما وقال تعالى : آمنا لأنه لا خوف على من دخله ، فلما أمن كل حال به كان كأنه هو نفس الأمن ، [ ص: 479 ] وهو حرم مكة المشرفة ، وأمنه موجب للتوحيد والإخلاص ، رغبة في دوامه ، وخوفا من انصرامه ، [كما كان الخوف في البحر موجبا للإخلاص خوفا من دوامه ، ورغبة في انصرامه] "و" الحال أنه " يتخطف " وبناه للمفعول لأن المقصود الفعل لا فاعل معين.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التخطف غير خاص بناس دون آخرين ، بل كان جميع العرب يغزو بعضهم بعضا ، ويغير بعضهم على بعض بالقتل والأسر والنهب وغير ذلك من أنواع الأذى ، قال : الناس من حولهم أي : من حول من فيه من كل جهة تخطف الطيور مع قلة من بمكة وكثرة من حولهم ، فالذي خرق العادة في فعل ذلك حتى صار على هذا السنن قادر على أن يعكس الحال فيجعل من بالحرم متخطفا ومن حوله آمنا ، أو يجعل الكل في الخوف على منهاج واحد.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما تبين أنه لا وجه لشركهم ولا لكفرهم هذه النعمة الظاهرة المكشوفة ، تسبب الإنكار في قوله : أفبالباطل أي : خاصة من الأوثان وغيرها يؤمنون والحال أنه لا يشك عاقل في بطلانه ، وجاء الحصر من حيث إن من كفر بالله تبعه الكفر بكل حق والتصديق بكل باطل وبنعمة الله التي أحدثها لهم من الإنجاء وغيره يكفرون [ ص: 480 ] حيث جعلوا موضع شكرهم له على النجاة شركهم بعبادة غيره.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية