الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج

                                                                                                                121 حدثنا محمد بن المثنى العنزي وأبو معن الرقاشي وإسحق بن منصور كلهم عن أبي عاصم واللفظ لابن المثنى حدثنا الضحاك يعني أبا عاصم قال أخبرنا حيوة بن شريح قال حدثني يزيد بن أبي حبيب عن ابن شماسة المهري قال حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت فبكى طويلا وحول وجهه إلى الجدار فجعل ابنه يقول يا أبتاه أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا قال فأقبل بوجهه فقال إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إني كنت على أطباق ثلاث لقد رأيتني وما أحد أشد بغضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني ولا أحب إلي أن أكون قد استمكنت منه فقتلته فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت ابسط يمينك فلأبايعك فبسط يمينه قال فقبضت يدي قال ما لك يا عمرو قال قلت أردت أن أشترط قال تشترط بماذا قلت أن يغفر لي قال أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة ثم ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار فإذا دفنتموني فشنوا علي التراب شنا ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الحج والهجرة

                                                                                                                فيه حديث عمرو بن العاصي - رضي الله عنه - وقصة وفاته ، وفيه حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في سبب نزول قول الله تعالى : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر وقوله تعالى : يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم .

                                                                                                                [ ص: 304 ] فأما حديث عمرو فنتكلم في إسناده ومتنه ثم نعود إلى حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - .

                                                                                                                أما إسناده ففيه ( محمد بن المثنى العنزي ) بفتح العين والنون ، و ( أبو معن الرقاشي ) بفتح الراء وتخفيف القاف اسمه زيد بن يزيد ، و ( أبو عاصم ) هو النبيل واسمه الضحاك بن مخلد ، و ( ابن شماسة المهري ) وشماسة بالشين المعجمة في أوله بفتحها وضمها ذكرهما صاحب المطالع والميم مخففة وآخره سين مهملة ثم هاء واسمه عبد الرحمن بن شماسة بن ذئب أبو عمرو ، وقيل : عبد الله و ( المهري ) بفتح الميم وإسكان الهاء وبالراء .

                                                                                                                وأما ألفاظ متنه فقوله : ( في سياقة الموت ) هو بكسر السين أي حال حضور الموت .

                                                                                                                قوله : ( أفضل ما نعد ) هو بضم النون .

                                                                                                                قوله : ( كنت على أطباق ثلاث ) أي على أحوال . قال الله تعالى : لتركبن طبقا عن طبق فلهذا أنث ثلاثا إرادة لمعنى أطباق .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( تشترط بماذا ) هكذا ضبطناه بما بإثبات الباء فيجوز أن تكون زائدة للتوكيد كما في نظائرها ، ويجوز أن تكون دخلت على معنى تشترط وهو تحتاط أي تحتاط بماذا .

                                                                                                                وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( الإسلام يهدم ما كان قبله ) أي يسقطه ويمحو أثره .

                                                                                                                قوله : ( وما كنت أطيق أن أملأ عيني ) هو بتشديد الياء من عيني على التثنية .

                                                                                                                قوله : ( فإذا دفنتموني فسنوا علي التراب سنا ) ضبطناه بالسين المهملة وبالمعجمة ، وكذا قال القاضي : إنه بالمعجمة والمهملة . قال : وهو الصب ، وقيل : بالمهملة الصب في سهولة ، وبالمعجمة التفريق . وفي قوله ( فشنوا علي التراب ) استحباب صب التراب في القبر ، وأنه لا يقعد على القبر بخلاف ما يعمل في بعض البلاد .

                                                                                                                وقوله : ( قدر ما ينحر جزور ) هي بفتح الجيم وهي من الإبل .

                                                                                                                أما أحكامه ففيه عظم موقع الإسلام والهجرة والحج ، وأن كل واحد منها يهدم ما كان قبله من المعاصي ، وفيه استحباب تنبيه المحتضر على إحسان ظنه بالله سبحانه وتعالى ، وذكر آيات الرجاء وأحاديث العفو عنده ، وتبشيره بما أعده الله تعالى للمسلمين وذكر حسن أعماله عنده ليحسن ظنه بالله تعالى ويموت عليه . وهذا الأدب مستحب بالاتفاق . وموضع الدلالة له من هذا الحديث قول ابن عمرو لأبيه : أما بشرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا ؟ وفيه ما كانت الصحابة - رضي الله عنهم - عليه من توقير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإجلاله .

                                                                                                                وفي قوله : ( فلا تصحبني نائحة ولا نار ) امتثال لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك .

                                                                                                                [ ص: 305 ] وقد كره العلماء ذلك . فأما النياحة فحرام . وأما اتباع الميت بالنار فمكروه للحديث . ثم قيل : سبب الكراهة كونه من شعار الجاهلية . وقال ابن حبيب المالكي : كره تفاؤلا بالنار .

                                                                                                                وفي قوله ( فشنوا علي التراب ) استحباب صب التراب في القبر ، وأنه لا يقعد على القبر بخلاف ما يعمل في بعض البلاد . وقوله : ( ثم أقيموا حول قبري قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي ) فيه فوائد منها إثبات فتنة القبر وسؤال الملكين وهو مذهب أهل الحق ، ومنها استحباب المكث عند القبر بعد الدفن لحظة نحو ما ذكر لما ذكر . وفيه أن الميت يسمع حينئذ من حول القبر ، وقد يستدل به لجواز قسمة اللحم المشترك ونحوه من الأشياء الرطبة كالعنب . وفي هذا خلاف لأصحابنا معروف . قالوا : إن قلنا بأحد القولين أن القسمة تمييز حق ليست ببيع جاز ، وإن قلنا : بيع فوجهان أصحهما لا يجوز للجهل بتماثله في حال الكمال فيؤدي إلى الربا ، والثاني يجوز لتساويهما في الحال ، فإذا قلنا لا يجوز فطريقها أن يجعل اللحم وشبهه قسمين ثم يبيع أحدهما صاحبه نصيبه من أحد القسمين بدرهم مثلا ، ثم يبيع الآخر نصيبه من القسم الآخر لصاحبه بذلك الدرهم الذي له عليه فيحصل لكل واحد منهما قسم بكماله . ولها طرق غير هذا لا حاجة إلى الإطالة بها هنا . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية