الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 215 ] إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر هذا الكلام بيان لقوله والساعة أدهى وأمر . واقتران الكلام بحرف إن لفائدتين : إحداهما الاهتمام بصريحه الإخباري ، وثانيهما تأكيد ما تضمنه من التعريض بالمشركين ، لأن الكلام وإن كان موجها للنبيء - صلى الله عليه وسلم - وهو لا يشك في ذلك فإن المشركين يبلغهم ويشيع بينهم وهم لا يؤمنون بعذاب الآخرة فكانوا جديرين بتأكيد الخبر في جانب التعريض فتكون ( إن ) مستعملة في غرضيها من التوكيد والاهتمام .

والتعبير عنهم ب المجرمين إظهار في مقام الإضمار لإلصاق وصف الإجرام بهم .

والضلال : يطلق على ضد الهدى ويطلق على الخسران ، وأكثر المفسرين على أن المراد به هنا المعنى الثاني . فعن ابن عباس : المراد الخسران في الآخرة ، لأن الظاهر أن يوم يسحبون في النار ظرف للكون في ضلال وسعر على نحو قوله تعالى يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة ، وقوله ويوم القيامة هم من المقبوحين فلا يناسب أن يكون الضلال ضد الهدى .

ويجوز أن يكون يوم يسحبون ظرفا للكون الذي في خبر إن ، أي كائنون في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار ، فالمعنى : أنهم في ضلال وسعر يوم القيامة و ( سعر ) جمع سعير ، وهو النار ، وجمع السعير لأنه قوي شديد .

والسحب : الجر ، وهو في النار أشد من ملازمة المكان لأن به يتجدد مماسة نار أخرى فهو أشد تعذيبا .

وجعل السحب على الوجوه إهانة لهم .

و ذوقوا مس سقر مقول قول محذوف ، والجملة مستأنفة . والذوق مستعار للإحساس .

[ ص: 216 ] وصيغة الأمر مستعملة في الإهانة والمجازاة .

والمس مستعمل في الإصابة على طريقة المجاز المرسل .

وسقر : علم على جهنم ، وهو مشتق من السقر بسكون القاف وهو التهاب في النار ، ف ( سقر ) وضع علما لجهنم ، ولذلك فهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث ، لأن جهنم اسم مؤنث معنى اعتبروا فيه أن مسماه نار والنار مؤنثة .

والآية تتحمل معنى آخر ، وهو أن يراد بالضلال ضد الهدى وأن الإخبار عن المجرمين بأنهم ليسوا على هدى ، وأن ما هم فيه باطل وضلال ، وذلك في الدنيا ، وأن يراد بالسعر نيران جهنم وذلك في الآخرة فيكون الكلام على التقسيم .

أو يكون السعر بمعنى الجنون ، يقال : سعر بضمتين وسعر بسكون العين ، أي : جنون ، من قول العرب : ناقة مسعورة ، أي : شديدة السرعة كأن بها جنونا كما تقدم عند قوله تعالى إنا إذا لفي ضلال وسعر في هذه السورة .

وروي عن ابن عباس وفسر به أبو علي الفارسي قائلا : لأنهم إن كانوا في السعير لم يكونوا في ضلال لأن الأمر قد كشف لهم وإنما وصف حالهم في الدنيا ، وعليه فالضلال والسعر حاصلان لهم في الدنيا .

التالي السابق


الخدمات العلمية