الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 480 ] النوع السادس والأربعون

في ذكر ما تيسر من أساليب القرآن

وفنونه البليغة

وهو المقصود الأعظم من هذا الكتاب ، وهو بيت القصيدة ، [ ص: 481 ] [ ص: 482 ] [ ص: 483 ] وأول الجريدة وغرة الكتيبة ، وواسطة القلادة ، ودرة التاج ، وإنسان الحدقة ؛ على أنه قد تقدمت الإشارة للكثير من ذلك .

اعلم أن هذا علم شريف المحل ، عظيم المكان ، قليل الطلاب ، ضعيف الأصحاب ، ليست له عشيرة تحميه ، ولا ذوو بصيرة تستقصيه ، وهو أرق من الشعر وأهول من البحر ، وأعجب من السحر ، وكيف لا يكون ، وهو المطلع على أسرار القرآن العظيم ، الكافل بإبراز إعجاز النظم المبين ، ما أودع من حسن التأليف ، وبراعة التركيب ، وما تضمنه في الحلاوة ، وجلله في رونق الطلاوة ؛ مع سهولة كلمه وجزالتها ، وعذوبتها وسلاستها . ولا فرق بين ما يرجع الحسن إلى اللفظ أو المعنى .

وشذ بعضهم فزعم أن موضع صناعة البلاغة فيه إنما هو المعاني ، فلم يعد الأساليب [ ص: 484 ] البليغة والمحاسن اللفظية . والصحيح أن الموضوع مجموع المعاني والألفاظ إذ اللفظ مادة الكلام الذي منه يتألف ، ومتى أخرجت الألفاظ عن أن تكون موضوعا خرجت عن جملة الأقسام المعتبرة إذ لا يمكن أن توجد إلا بها . وها أنا ألقي إليك منه ما يقضي له البليغ عجبا ، ويهتز به الكاتب طربا :

فمنه التوكيد بأقسامه ، والحذف بأقسامه ، الإيجاز ، التقديم والتأخير ، القلب ، المدرج ، الاقتصاص ، الترقي ، التغليب ، الالتفات ، التضمين ، وضع الخبر موضع الطلب ، وضع الطلب موضع الخبر ، وضع النداء موضع التعجب ، وضع جملة القلة موضع الكثرة ، تذكير المؤنث ، تأنيث المذكر ، التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي ، عكسه ، مشاكلة اللفظ للمعنى ، النحت ، الإبدال ، المحاذاة ، قواعد في النفي والصفات ، إخراج الكلام مخرج الشك في اللفظ دون الحقيقة ، الإعراض عن صريح الحكم ، الهدم ، التوسع ، الاستدراج ، التشبيه ، الاستعارة ، التورية ، التجريد ، التجنيس ، الطباق ، المقابلة ، إلجام الخصم بالحجة ، التقسيم ، التعديد ، مقابلة الجمع بالجمع ، قاعدة فيما ورد في القرآن مجموعا تارة ومفردا أخرى وحكمة ذلك ، قاعدة أخرى في الضمائر ، قاعدة في السؤال والجواب ، الخطاب بالشيء عن اعتقاد المخاطب ، التأدب في الخطاب ، تقديم ذكر الرحمة على العذاب ، الخطاب بالاسم ، الخطاب بالفعل ، قاعدة في ذكر الموصولات والظرف تارة وحذفها أخرى ، قاعدة في النهي ودفع التناقض عما يوهم ذلك .

وملاك ذلك الإيجاز والإطناب ، قال صاحب الكشاف : كما أنه يجب على البليغ في مظان الإجمال والإيجاز أن يجمل ويوجز ؛ فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل أن يفصل ويشبع ، وأنشد الجاحظ :


يرمون بالخطب الطوال وتارة وحي الملاحظ خيفة الرقباء



التالي السابق


الخدمات العلمية