الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 485 ] الأسلوب الأول : التأكيد

والقصد منه الحمل على ما لم يقع ، ليصير واقعا ، ولهذا لا يجوز تأكيد الماضي ولا الحاضر ، لئلا يلزم تحصيل الحاصل ؛ وإنما يؤكد المستقبل ، وفيه مسائل :

الأولى : جمهور الأمة على وقوعه في القرآن والسنة . وقال قوم : ليس فيهما تأكيد ولا في اللغة ؛ بل لا بد أن يفيد معنى زائدا على الأول . واعترض الملحدون على القرآن والسنة بما فيهما من التأكيدات ، وأنه لا فائدة في ذكرها ، وأن من حق البلاغة في النظم إيجاز اللفظ واستيفاء المعنى ، وخير الكلام ما قل ودل ولا يمل ، والإفادة خير من الإعادة ، وظنوا أنه إنما يجيء لقصور النفس عن تأدية المراد بغير تأكيد ، ولهذا أنكروا وقوعه في القرآن .

وأجاب الأصحاب بأن القرآن نزل على لسان القوم وفي لسانهم التأكيد والتكرار ، وخطابه أكثر ؛ بل هو عندهم معدود في الفصاحة والبراعة ، ومن أنكر وجوده في اللغة فهو مكابر ، إذ لولا وجوده لم يكن لتسميته تأكيدا فائدة ، فإن الاسم لا يوضع إلا لمسمى معلوم لا فائدة فيه ، بل فوائد كثيرة كما سنبينه .

الثانية : حيث وقع فهو حقيقة ، وزعم قوم أنه مجاز ؛ لأنه لا يفيد إلا ما أفاده المذكور الأول ، حكاه الطرطوشي في " العمد " ثم قال : ومن سمى التأكيد مجازا ؟ فيقال له : إذا كان التأكيد بلفظ الأول ، نحو عجل عجل ونحوه ، فإن جاز أن يكون الثاني مجازا جاز في الأول لأنهما في لفظ واحد ، وإذا بطل حمل الأول على المجاز بطل حمل الثاني عليه ؛ لأنه قبل الأول .

الثالثة : أنه خلاف الأصل ؛ فلا يحمل اللفظ على التأكيد إلا عند تعذر حمله على مدة محددة .

[ ص: 486 ] الرابعة : يكتفي في تلك بأي معنى كان وشرط . وما قاله ضعيف ؛ لأن المفهوم من دلالة اللفظ ليس من باب الألفاظ حتى يحذو به حذو الألفاظ .

الخامسة : في تقسيمه : وهو صناعي - يتعلق باصطلاح النحاة - ومعنوي ، وأقسامه كثيرة ، فلنذكر ما تيسر منها .

التالي السابق


الخدمات العلمية