[ ص: 409 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( إذا لم يجز له أن يؤخره إلى أن يدخل رمضان آخر ، فإن أخره حتى أدركه رمضان آخر ، وجب عليه لكل يوم مد من طعام ; لما روي عن كان عليه قضاء أيام من رمضان ولم يكن له عذر ابن عباس وابن عمر أنهم قالوا فيمن عليه صوم فلم يصمه حتى أدركه رمضان آخر : " يطعم عن الأول " . فإن أخره سنتين ففيه وجهان : ( أحدهما ) لكل سنة مد ; لأنه تأخير سنة فأشبهت السنة الأولى . وأبي هريرة
( الثاني ) لا يجب للثانية شيء ; لأن القضاء مؤقت بما بين رمضانين ، فإذا أخره عن السنة الأولى فقد أخره ، عن وقته فوجبت الكفارة وهذا المعنى لا يوجد فيما بين السنة الأولى فلم يجب بالتأخير كفارة ، والمستحب أن يقضي ما عليه متتابعا لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أبو هريرة } ولأن فيه مبادرة إلى أداء الفرض ، ولأن ذلك أشبه بالأداء فإن قضاه متفرقا جاز ; لقوله تعالى : { من كان عليه صوم من رمضان فليسرده ولا يقطعه فعدة من أيام أخر } ولأن التتابع وجب لأجل الوقت فسقط بفوات الوقت ، وإن كان عليه قضاء اليوم الأول فصام ونوى به اليوم الثاني ، فإنه يحتمل أن يجزئه ; لأن تعيين اليوم غير واجب ، ويحتمل أن لا يجزئه ; لأنه نوى غير ما عليه فلم تجزئه كما لو كان عليه عتق عن اليمين فنوى عتق الظهار ) .
التالي
السابق
( الشرح ) حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : { أبي هريرة } رواه من كان عليه صوم من رمضان فليسرده ولا يقطعه الدارقطني وضعفاه وأما الآثار التي ذكرها والبيهقي المصنف عن ابن عباس وابن عمر في الإطعام ، فرواها وأبي هريرة ، وقال في إسناده عن الدارقطني : هذا إسناد صحيح ورواه عنه مرفوعا وإسناده ضعيف جدا ، واسناد أبي هريرة صحيح أيضا ، ولفظ الروايات عن ابن عباس " من مرض ثم صح ولم يصم حتى أدركه رمضان آخر ، قال : يصوم الذي أدركه ثم يصوم الشهر الذي أفطر فيه ويطعم مكان كل يوم مسكينا " ولفظ الباقي بمعناه ، ولم يبين أبي هريرة المصنف في روايته عنهم أنه يجب قضاء الصوم . وقوله : ولأنه تتابع وجب لأجل [ ص: 410 ] الوقت ، فيه احتراز من التتابع في صوم الكفارة أو في نذر المتتابع .
( أما أحكام الفصل ) ففيه مسائل : ( إحداها ) إذا كان عليه قضاء رمضان أو بعضه ، فإن كان معذورا في تأخير القضاء بأن استمر مرضه أو سفره ونحوهما جاز له التأخير ما دام عذره ولو بقي سنين ، ولا تلزمه الفدية بهذا التأخير ، وإن تكررت رمضانات ، وإنما عليه القضاء فقط ; لأنه يجوز تأخير أداء رمضان بهذا العذر ، فتأخير القضاء أولى بالجواز ، فإن لم يكن له عذر لم يجز التأخير إلى رمضان آخر بلا خلاف ، بل عليه قضاؤه قبل مجيء رمضان السنة القابلة .
قال أصحابنا : والفرق بين الصوم والصلاة حيث لا يجوز تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر ، ويجوز تأخير الصلاة إلى ما بعد صلاة أخرى مثلها ، بل إلى سنين - إن تأخير الصوم إلى رمضان آخر تأخير له إلى زمن لا يقبل صوم القضاء ولا يصح فيه ، فهو كتأخيره إلى الموت فلم يجز ، بخلاف الصلاة فإنها تصح في جميع الأوقات . فلو أخر القضاء إلى رمضان آخر بلا عذر أثم ولزمه صوم رمضان الحاضر ويلزمه بعد ذلك قضاء رمضان الفائت ويلزمه بمجرد دخول رمضان الثاني عن كل يوم من الفائت مد من طعام مع القضاء ; لما ذكره المصنف نص عليه واتفق عليه الأصحاب إلا الشافعي فقال : لا تجب الفدية . والمذهب الأول ، ولو أخره حتى مضى رمضانان فصاعدا فهل يتكرر المد عن كل يوم بتكرر السنين ؟ أم يكفي مد عن كل السنين ؟ فيه وجهان مشهوران ذكرهما المزني المصنف بدليلهما ( أصحهما ) يتكرر ، صححه إمام الحرمين وغيره وقطع به القاضي في كتابه المجرد ، وخالفهم صاحب الحاوي فقال : الأصح أنه يكفي مد واحد لجميع السنين والأول أصح ، ولو أفطر عدوانا وقلنا : تجب فيه الفدية فأخر القضاء حتى دخل رمضان آخر فعليه لكل يوم مع القضاء فديتان ، فدية للإفطار عدوانا ، وأخرى للتأخير ، هذا هو المذهب وبه قطع أبو الطيب البغوي وغيره .
واحتج له البغوي بأن سببهما مختلف فلا يتداخلان بخلاف الحدود وقال إبراهيم المروزي : إن عددنا الفدية بتعدد رمضان ، فهنا أولى [ ص: 411 ] وإلا فوجهان ، ولو ، وقلنا : الميت يطعم عنه فوجهان مشهوران ، حكاهما أخر القضاء مع الإمكان حتى مات بعد دخول رمضان قبل أن يقضي المصنف في الفصل الذي بعد هذا ( أصحهما ) عند الأصحاب يجب لكل يوم مدان من تركته مد عن الصوم ومد عن التأخير . قال الماوردي : وهذا مذهب وسائر أصحابنا سوى الشافعي ابن سريج .
( والثاني ) يجب مد واحد ; لأن الفوات يضمن بمد واحد كالشيخ الهرم ، قال الماوردي : هذا غلط ، وأما إذا قلنا : يصوم عنه وليه فصام حصل تدارك أصل الصوم ويجب مد للتأخير ; لأنه كان واجبا عليه في حياته . وإذا قلنا بالأصح وهو التكرار فكان عليه عشرة أيام فمات ولم يبق من شعبان إلا خمسة أيام وجب في تركته خمسة عشر مدا ، عشرة لأجل الصوم وخمسة للتأخير ; لأنه لو عاش لم يمكنه إلا قضاء خمسة . وأما إذا أفطر بلا عذر وقلنا : يلزمه الفدية فأخر الصوم حتى دخل رمضان آخر ومات قبل القضاء ، فالمذهب وجوبه ثلاثة أمداد كل يوم ، فإن تكررت السنون زادت الأمداد ، وإذا ؟ فيه وجهان كالوجهين فيمن حلف ليأكلن هذا الرغيف غدا فتلف قبل الغد ، هل يحنث في الحال ؟ أم بعد مجيء الغد ؟ . لم يبق بينه وبين رمضان الثاني ما يتأتى فيه قضاء جميع الفائت فهل تلزمه الفدية في الحال عما لا يسعه من الوقت ؟ أم لا يلزمه إلا بعد دخول رمضان
( فرع ) إذا ففي جوازه وجهان كالوجهين ، في تعجيل الكفارة عن الحنث المحرم وقد سبقت هذه المسألة مع نظائر كثيرة لها في آخر باب تعجيل الزكاة . أراد تعجيل فدية التأخير قبل مجيء رمضان الثاني ليؤخر القضاء مع الإمكان
( فرع ) إذا أخر الشيخ الهرم المد عن السنة فالمذهب أنه لا شيء عليه ، وقال الغزالي في الوسيط : في تكرر مد آخر لتأخيره وجهان وهذا شاذ ضعيف .
( أما أحكام الفصل ) ففيه مسائل : ( إحداها ) إذا كان عليه قضاء رمضان أو بعضه ، فإن كان معذورا في تأخير القضاء بأن استمر مرضه أو سفره ونحوهما جاز له التأخير ما دام عذره ولو بقي سنين ، ولا تلزمه الفدية بهذا التأخير ، وإن تكررت رمضانات ، وإنما عليه القضاء فقط ; لأنه يجوز تأخير أداء رمضان بهذا العذر ، فتأخير القضاء أولى بالجواز ، فإن لم يكن له عذر لم يجز التأخير إلى رمضان آخر بلا خلاف ، بل عليه قضاؤه قبل مجيء رمضان السنة القابلة .
قال أصحابنا : والفرق بين الصوم والصلاة حيث لا يجوز تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر ، ويجوز تأخير الصلاة إلى ما بعد صلاة أخرى مثلها ، بل إلى سنين - إن تأخير الصوم إلى رمضان آخر تأخير له إلى زمن لا يقبل صوم القضاء ولا يصح فيه ، فهو كتأخيره إلى الموت فلم يجز ، بخلاف الصلاة فإنها تصح في جميع الأوقات . فلو أخر القضاء إلى رمضان آخر بلا عذر أثم ولزمه صوم رمضان الحاضر ويلزمه بعد ذلك قضاء رمضان الفائت ويلزمه بمجرد دخول رمضان الثاني عن كل يوم من الفائت مد من طعام مع القضاء ; لما ذكره المصنف نص عليه واتفق عليه الأصحاب إلا الشافعي فقال : لا تجب الفدية . والمذهب الأول ، ولو أخره حتى مضى رمضانان فصاعدا فهل يتكرر المد عن كل يوم بتكرر السنين ؟ أم يكفي مد عن كل السنين ؟ فيه وجهان مشهوران ذكرهما المزني المصنف بدليلهما ( أصحهما ) يتكرر ، صححه إمام الحرمين وغيره وقطع به القاضي في كتابه المجرد ، وخالفهم صاحب الحاوي فقال : الأصح أنه يكفي مد واحد لجميع السنين والأول أصح ، ولو أفطر عدوانا وقلنا : تجب فيه الفدية فأخر القضاء حتى دخل رمضان آخر فعليه لكل يوم مع القضاء فديتان ، فدية للإفطار عدوانا ، وأخرى للتأخير ، هذا هو المذهب وبه قطع أبو الطيب البغوي وغيره .
واحتج له البغوي بأن سببهما مختلف فلا يتداخلان بخلاف الحدود وقال إبراهيم المروزي : إن عددنا الفدية بتعدد رمضان ، فهنا أولى [ ص: 411 ] وإلا فوجهان ، ولو ، وقلنا : الميت يطعم عنه فوجهان مشهوران ، حكاهما أخر القضاء مع الإمكان حتى مات بعد دخول رمضان قبل أن يقضي المصنف في الفصل الذي بعد هذا ( أصحهما ) عند الأصحاب يجب لكل يوم مدان من تركته مد عن الصوم ومد عن التأخير . قال الماوردي : وهذا مذهب وسائر أصحابنا سوى الشافعي ابن سريج .
( والثاني ) يجب مد واحد ; لأن الفوات يضمن بمد واحد كالشيخ الهرم ، قال الماوردي : هذا غلط ، وأما إذا قلنا : يصوم عنه وليه فصام حصل تدارك أصل الصوم ويجب مد للتأخير ; لأنه كان واجبا عليه في حياته . وإذا قلنا بالأصح وهو التكرار فكان عليه عشرة أيام فمات ولم يبق من شعبان إلا خمسة أيام وجب في تركته خمسة عشر مدا ، عشرة لأجل الصوم وخمسة للتأخير ; لأنه لو عاش لم يمكنه إلا قضاء خمسة . وأما إذا أفطر بلا عذر وقلنا : يلزمه الفدية فأخر الصوم حتى دخل رمضان آخر ومات قبل القضاء ، فالمذهب وجوبه ثلاثة أمداد كل يوم ، فإن تكررت السنون زادت الأمداد ، وإذا ؟ فيه وجهان كالوجهين فيمن حلف ليأكلن هذا الرغيف غدا فتلف قبل الغد ، هل يحنث في الحال ؟ أم بعد مجيء الغد ؟ . لم يبق بينه وبين رمضان الثاني ما يتأتى فيه قضاء جميع الفائت فهل تلزمه الفدية في الحال عما لا يسعه من الوقت ؟ أم لا يلزمه إلا بعد دخول رمضان
( فرع ) إذا ففي جوازه وجهان كالوجهين ، في تعجيل الكفارة عن الحنث المحرم وقد سبقت هذه المسألة مع نظائر كثيرة لها في آخر باب تعجيل الزكاة . أراد تعجيل فدية التأخير قبل مجيء رمضان الثاني ليؤخر القضاء مع الإمكان
( فرع ) إذا أخر الشيخ الهرم المد عن السنة فالمذهب أنه لا شيء عليه ، وقال الغزالي في الوسيط : في تكرر مد آخر لتأخيره وجهان وهذا شاذ ضعيف .
( المسألة الثانية ) إذا كان يستحب قضاؤه متتابعا فإن فرقه جاز ، وذكر عليه قضاء شيء من رمضان المصنف دليلهما .
. ( الثالثة ) إذا ، ففي إجزائه وجهان مشهوران حكاهما كان عليه قضاء اليوم الأول من رمضان فصام ونوى به اليوم [ ص: 412 ] الثاني البغوي وغيره ( أصحهما ) لا يجزئه ، وبه قطع البندنيجي والمتولي ، ذكره في مسائل النية ، وجعل المصنف الاحتمالين له لكونه لم ير النقل الذي ذكره غيره ، وقد سبقت المسألة مع نظائرها في هذا الباب في مسائل النية ، والله أعلم .
( فرع ) إذا ، فإن كان فواته بعذر ، كحيض ونفاس ومرض وإغماء وسفر ومن نسي النية أو أكل معتقدا أنه ليل فبان نهارا أو المرضع والحامل ، فقضاؤه على التراخي بلا خلاف ما لم يبلغ به رمضان المستقبل ولكن يستحب تعجيله ، وإن فاته بغير عذر فوجهان كالوجهين في قضاء الصلاة الفائتة بلا عذر ( أرجحهما ) عن أكثر العراقيين أنه على التراخي أيضا ( والثاني ) وهو الصحيح . صححه الخراسانيون ومحققو العراقيين ، وقطع به جماعات أنه على الفور . وكذا الخلاف في قضاء الحجة المفسدة ( الأصح ) على الفور ، وقد سبق بيان هذا كله في باب مواقيت الصلاة ، وسبق هناك حكم الكفارة ، هي كالصوم سواء ، فيفرق بين ما وجبت بسبب محرم وغيرها ، والله تعالى أعلم . لزمه قضاء رمضان أو بعضه
( فرع ) إذا ، فإن كان فواته بعذر ، كحيض ونفاس ومرض وإغماء وسفر ومن نسي النية أو أكل معتقدا أنه ليل فبان نهارا أو المرضع والحامل ، فقضاؤه على التراخي بلا خلاف ما لم يبلغ به رمضان المستقبل ولكن يستحب تعجيله ، وإن فاته بغير عذر فوجهان كالوجهين في قضاء الصلاة الفائتة بلا عذر ( أرجحهما ) عن أكثر العراقيين أنه على التراخي أيضا ( والثاني ) وهو الصحيح . صححه الخراسانيون ومحققو العراقيين ، وقطع به جماعات أنه على الفور . وكذا الخلاف في قضاء الحجة المفسدة ( الأصح ) على الفور ، وقد سبق بيان هذا كله في باب مواقيت الصلاة ، وسبق هناك حكم الكفارة ، هي كالصوم سواء ، فيفرق بين ما وجبت بسبب محرم وغيرها ، والله تعالى أعلم . لزمه قضاء رمضان أو بعضه
فرع في قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يلزمه صوم رمضان الحاضر ثم يقضي الأول ويلزمه عن كل يوم فدية ، وهي مد من طعام ، وبهذا قال مذاهب العلماء فيمن أخر قضاء رمضان بغير عذر حتى دخل رمضان آخر ابن عباس وأبو هريرة وعطاء بن أبي رباح والقاسم بن محمد والزهري والأوزاعي ومالك والثوري وأحمد وإسحاق ، إلا أن قال : الفدية مدان عن كل يوم ، وقال الثوري الحسن البصري وإبراهيم النخعي وأبو حنيفة والمزني : يقضيه ولا فدية عليه ، أما إذا دام سفره ومرضه ونحوهما من الأعذار حتى دخل رمضان الثاني فمذهبنا أنه يصوم رمضان الحاضر ثم يقضي الأول ولا فدية عليه ; لأنه معذور ، وحكاه وداود عن ابن المنذر طاوس والحسن البصري والنخعي وحماد بن أبي سليمان والأوزاعي ومالك وأحمد وإسحاق ، وهو مذهب أبي حنيفة [ ص: 413 ] والمزني . قال وداود : وقال ابن المنذر ابن عباس وابن عمر وسعيد بن جبير : يصوم رمضان الحاضر عن الحاضر ، ويفدي عن الغائب ولا قضاء عليه . فرع في مذاهبهم في وقتادة قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يستحب تتابعه ويجوز تفريقه ، وبه قال تفريق قضاء رمضان وتتابعه علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وابن عباس وأنس وأبو هريرة والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة ومالك وأحمد وإسحاق رضي الله عنهم ، وعن وأبو ثور ابن عمر وعائشة والحسن البصري وعروة بن الزبير والنخعي أنه يجب التتابع ، قال وداود الظاهري : هو واجب ليس بشرط ، وحكى صاحب البيان عن داود أنه قال : التتابع والتفريق سواء ، ولا فضيلة في التتابع . الطحاوي
( فرع ) يجوز غير رمضان التالي وأيام العيد والتشريق ، ولا كراهة في شيء من ذلك سواء ذو الحجة وغيره ، وحكاه قضاء رمضان عندنا في جميع السنة عن ابن المنذر سعيد بن المسيب وأحمد وإسحاق ، وبه قال جمهور العلماء . قال وأبي ثور : وروينا عن ابن المنذر أنه كره قضاءه في ذي الحجة . قال : وبه قال علي بن أبي طالب الحسن البصري والزهري ، قال : وبالأول أقول ; لقوله تعالى : { ابن المنذر فعدة من أيام أخر } .