ولما وعد المطيع وأوعد العاصي، وكانت النفوس إلى الوعد أشد التفاتا، دل عليه بثواب عظيم منه أمر محسوس يعظم جذبه للنفوس القاصرة عن النفوذ في عالم الغيب، فقال مؤكدا لأن أعظم المراد به المذبذبون، مفتتحا بقد؛ لأن السياق موجب للتوقع لما جرى من السنة الإلهية أنها إذا شوقت إلى شيء دلت عليه بمشهود يقرب الغائب الموعود:
nindex.php?page=treesubj&link=29388_29677_32494_34091_29019nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18لقد رضي الله أي: الذي له الجلال والجمال
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18عن المؤمنين أي: الراسخين في الإيمان، أي: فعل معهم فعل الراضي بما جعل لهم من الفتح وما قدر له من الثواب، وأفهم ذلك أنه لم يرض عن الكافرين فخذلهم في الدنيا مع ما أعد لهم في الآخرة، فالآيات تقرير لما ذكر من جزاء الفريقين بأمور مشاهدة.
ولما ذكر الرضى، ذكر وقته للدلالة على سببه فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18إذ أي: حين، وصور حالهم إعلاما بأنها سارة معجبة شديدة الرسوخ في الرضى فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18يبايعونك في عمرة الحديبية لما صد المشركون عن الوصول إلى البيت، فبعثت
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان رضي الله عنه إليهم ليخبرهم بأنك لم تجئ
[ ص: 316 ] لقتال وإنما جئت للعمرة، فبلغك أنهم قتلوه فندبت إلى البيعة لمناجزتهم فبايعك كل من كان معك على أن لا يفروا لتناجز بهم القوم; وزاد الأمر بيانا وقيده تفضيلا لأهل البيعة بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18تحت الشجرة واللام للعهد الذهني، وكانت شجرة في الموضع الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم نازلا به في
الحديبية، ولأجل هذا الرضى سميت
nindex.php?page=treesubj&link=29388بيعة الرضوان، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13889البغوي من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=13968الثعلبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=666165«لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة».
ولما دل على إخلاصهم بما وصفهم، سبب عنه قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18فعلم أي: لما له من الإحاطة
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18ما في قلوبهم أي: من مطابقته لما قالوا بألسنتهم في البيعة، وأن ما حصل لبعضهم من الاضطراب في قبول الصلح والكآبة منه إنما هو لمحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وإيثار ما يريد من إعلاء دينه وإظهاره لا عن شك في الدين، وسبب عن هذا العلم ترغيبا [في] مثل هذا المحدث عنهم قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18فأنـزل السكينة أي: بثبات القلوب وطمأنينتها في كل حالة ترضي الله ورسوله، ودل على عظمها بحيث إنها تغلب الخوف وإن عظم بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18عليهم فأثر ذلك أنهم لم يخافوا عاقبة القتال لما ندبوا إليه وإن كانوا في كثرة الكفار كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود ، لا أثر الصلح بما يتراءى فيه من الضعف وغيره من مخايل النقص في قلوبهم في ذلك المقام الدحض
[ ص: 317 ] والمواطن الضنك إلا ريثما رأوا صدق عزيمة الرسول صلى الله عليه وسلم ومضى أمره في ذلك بما يفعل ويقول.
ولما ذكر منه سبحانه وتعالى عليهم بما هو الأصل الذي لا يبنى إلا عليه، أتبعه آثاره فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18وأثابهم أي: أعطاهم جزاء لهم على ما وهبهم من الطاعة والسكينة فيها جزاء، مقبلا عليهم، يملأ مواضع احتياجهم، هو أهل لأن يقصده الإنسان ويتردد في طلبه لما له من الإقبال والمكنة والشمول
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18فتحا بما أوقع سبحانه من الصلح المترتب على تعجيز
قريش عن القتال
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18قريبا بترك القتال الموجب بعد راحتهم وقوتهم وجمومهم لاختلاط بعض الناس ببعض فيدخل في الدين من كان مباعدا له لما يرى من محاسنه، فسيكون الفتح الأعظم فتح
مكة المشرفة الذي هو سبب لفتح جميع البلاد.
وَلَمَّا وَعَدَ الْمُطِيعَ وَأَوْعَدَ الْعَاصِيَ، وَكَانَتِ النُّفُوسُ إِلَى الْوَعْدِ أَشَدَّ الْتِفَاتًا، دَلَّ عَلَيْهِ بِثَوَابٍ عَظِيمٍ مِنْهُ أَمْرٌ مَحْسُوسٌ يَعْظُمُ جَذْبُهُ لِلنُّفُوسِ الْقَاصِرَةِ عَنِ النُّفُوذِ فِي عَالَمِ الْغَيْبِ، فَقَالَ مُؤَكِّدًا لِأَنَّ أَعْظَمَ الْمُرَادِ بِهِ الْمُذَبْذَبُونَ، مُفْتَتِحًا بِقَدْ؛ لِأَنَّ السِّيَاقَ مُوجِبٌ لِلتَّوَقُّعِ لِمَا جَرَى مِنَ السُّنَّةِ الْإِلَهِيَّةِ أَنَّهَا إِذَا شَوَّقَتْ إِلَى شَيْءٍ دَلَّتْ عَلَيْهِ بِمَشْهُودٍ يُقَرِّبُ الْغَائِبَ الْمَوْعُودَ:
nindex.php?page=treesubj&link=29388_29677_32494_34091_29019nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ أَيِ: الَّذِي لَهُ الْجَلَالُ وَالْجَمَالُ
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18عَنِ الْمُؤْمِنِينَ أَيِ: الرَّاسِخِينَ فِي الْإِيمَانِ، أَيْ: فَعَلَ مَعَهُمْ فِعْلَ الرَّاضِي بِمَا جَعَلَ لَهُمْ مِنَ الْفَتْحِ وَمَا قَدَّرَ لَهُ مِنَ الثَّوَابِ، وَأَفْهَمَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ عَنِ الْكَافِرِينَ فَخَذَلَهُمْ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا أَعَدَّ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، فَالْآيَاتُ تَقْرِيرٌ لِمَا ذُكِرَ مِنْ جَزَاءِ الْفَرِيقَيْنِ بِأُمُورٍ مُشَاهَدَةٍ.
وَلَمَّا ذَكَرَ الرِّضَى، ذَكَرَ وَقْتَهُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى سَبَبِهِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18إِذْ أَيْ: حِينَ، وَصَوَّرَ حَالَهُمْ إِعْلَامًا بِأَنَّهَا سَارَّةٌ مُعْجِبَةٌ شَدِيدَةُ الرُّسُوخِ فِي الرِّضَى فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18يُبَايِعُونَكَ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ لَمَّا صَدَّ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ، فَبَعَثْتَ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَيْهِمْ لِيُخْبِرَهُمْ بِأَنَّكَ لَمْ تَجِئْ
[ ص: 316 ] لِقِتَالٍ وَإِنَّمَا جِئْتَ لِلْعُمْرَةِ، فَبَلَغَكَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ فَنَدَبْتَ إِلَى الْبَيْعَةِ لِمُنَاجَزَتِهِمْ فَبَايَعَكَ كُلُّ مَنْ كَانَ مَعَكَ عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا لِتُنَاجِزَ بِهِمُ الْقَوْمَ; وَزَادَ الْأَمْرَ بَيَانًا وَقَيَّدَهُ تَفْضِيلًا لِأَهْلِ الْبَيْعَةِ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ، وَكَانَتْ شَجَرَةً فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَازِلًا بِهِ فِي
الْحُدَيْبِيَةِ، وَلِأَجْلِ هَذَا الرِّضَى سُمِّيَتْ
nindex.php?page=treesubj&link=29388بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=13889الْبَغَوِيُّ مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=13968الثَّعْلَبِيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=666165«لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ».
وَلَمَّا دَلَّ عَلَى إِخْلَاصِهِمْ بِمَا وَصَفَهُمْ، سَبَّبَ عَنْهُ قَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18فَعَلِمَ أَيْ: لِمَا لَهُ مِنَ الْإِحَاطَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18مَا فِي قُلُوبِهِمْ أَيْ: مِنْ مُطَابَقَتِهِ لِمَا قَالُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ فِي الْبَيْعَةِ، وَأَنَّ مَا حَصَلَ لِبَعْضِهِمْ مِنَ الِاضْطِرَابِ فِي قَبُولِ الصُّلْحِ وَالْكَآبَةِ مِنْهُ إِنَّمَا هُوَ لِمَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِيثَارِ مَا يُرِيدُ مِنْ إِعْلَاءِ دِينِهِ وَإِظْهَارِهِ لَا عَنْ شَكٍّ فِي الدِّينِ، وَسَبَّبَ عَنْ هَذَا الْعِلْمِ تَرْغِيبًا [فِي] مِثْلِ هَذَا الْمُحْدَثِ عَنْهُمْ قَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18فَأَنْـزَلَ السَّكِينَةَ أَيْ: بِثَبَاتِ الْقُلُوبِ وَطُمَأْنِينَتِهَا فِي كُلِّ حَالَةٍ تُرْضِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَدَلَّ عَلَى عِظَمِهَا بِحَيْثُ إِنَّهَا تَغْلِبُ الْخَوْفَ وَإِنْ عَظُمَ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18عَلَيْهِمْ فَأَثَّرَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَخَافُوا عَاقِبَةَ الْقِتَالِ لَمَّا نُدِبُوا إِلَيْهِ وَإِنْ كَانُوا فِي كَثْرَةِ الْكُفَّارِ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جَنْبِ الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ ، لَا أَثَرَ الصُّلْحِ بِمَا يَتَرَاءَى فِيهِ مِنَ الضَّعْفِ وَغَيْرِهِ مِنْ مَخَايِلِ النَّقْصِ فِي قُلُوبِهِمْ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ الدَّحْضِ
[ ص: 317 ] وَالْمَوَاطِنِ الضَّنْكِ إِلَّا رَيْثَمَا رَأَوْا صِدْقَ عَزِيمَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَضَى أَمْرُهُ فِي ذَلِكَ بِمَا يَفْعَلُ وَيَقُولُ.
وَلَمَّا ذَكَرَ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِمْ بِمَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي لَا يُبْنَى إِلَّا عَلَيْهِ، أَتْبَعَهُ آثَارَهُ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18وَأَثَابَهُمْ أَيْ: أَعْطَاهُمْ جَزَاءً لَهُمْ عَلَى مَا وَهَبَهُمْ مِنَ الطَّاعَةِ وَالسَّكِينَةِ فِيهَا جَزَاءً، مُقْبِلًا عَلَيْهِمْ، يَمْلَأُ مَوَاضِعَ احْتِيَاجِهِمْ، هُوَ أَهْلٌ لِأَنْ يَقْصِدَهُ الْإِنْسَانُ وَيَتَرَدَّدَ فِي طَلَبِهِ لِمَا لَهُ مِنَ الْإِقْبَالِ وَالْمُكْنَةِ وَالشُّمُولِ
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18فَتْحًا بِمَا أَوْقَعَ سُبْحَانَهُ مِنَ الصُّلْحِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى تَعْجِيزِ
قُرَيْشٍ عَنِ الْقِتَالِ
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18قَرِيبًا بِتَرْكِ الْقِتَالِ الْمُوجِبِ بَعْدَ رَاحَتِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ وَجُمُومِهِمْ لِاخْتِلَاطِ بَعْضِ النَّاسِ بِبَعْضٍ فَيَدْخُلُ فِي الدِّينِ مَنْ كَانَ مُبَاعِدًا لَهُ لِمَا يَرَى مِنْ مَحَاسِنِهِ، فَسَيَكُونُ الْفَتْحُ الْأَعْظَمُ فَتْحَ
مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِفَتْحِ جَمِيعِ الْبِلَادِ.