فصل منزلة السكينة
ومن منازل
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين nindex.php?page=treesubj&link=32494منزلة السكينة
هذه المنزلة من منازل المواهب . لا من منازل المكاسب . وقد ذكر الله سبحانه السكينة في كتابه في ستة مواضع .
الأول : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم .
الثاني : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=26ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين .
الثالث : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها .
الرابع : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=4هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما .
[ ص: 471 ] الخامس : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا .
السادس : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين . الآية .
وكان شيخ الإسلام
ابن تيمية - رحمه الله - إذا اشتدت عليه الأمور : قرأ آيات السكينة .
وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه ، تعجز العقول عن حملها - من محاربة أرواح شيطانية ، ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوة - قال : فلما اشتد علي الأمر ، قلت لأقاربي ومن حولي : اقرءوا آيات السكينة ، قال : ثم أقلع عني ذلك الحال ، وجلست وما بي قلبة .
وقد جربت أنا أيضا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب بما يرد عليه . فرأيت لها تأثيرا عظيما في سكونه وطمأنينته .
وأصل السكينة هي الطمأنينة والوقار ، والسكون الذي ينزله الله في قلب عبده ، عند اضطرابه من شدة المخاوف . فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه . ويوجب له زيادة الإيمان ، وقوة اليقين والثبات .
ولهذا أخبر سبحانه عن إنزالها على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين في مواضع القلق والاضطراب . كيوم الهجرة ، إذ هو وصاحبه في الغار والعدو فوق رءوسهم . لو نظر أحدهم إلى ما تحت قدميه لرآهما . وكيوم
حنين ، حين ولوا مدبرين من شدة بأس الكفار ، لا يلوي أحد منهم على أحد . وكيوم
الحديبية حين اضطربت قلوبهم من تحكم الكفار عليهم ، ودخولهم تحت شروطهم التي لا تحملها النفوس . وحسبك بضعف
عمر رضي الله عنه عن حملها - وهو
عمر - حتى ثبته الله
nindex.php?page=showalam&ids=1بالصديق رضي الله عنه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما : كل سكينة في القرآن فهي طمأنينة ، إلا التي في سورة البقرة .
وفي الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب رضي الله عنهما : قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980564رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينقل [ ص: 472 ] من تراب الخندق ، حتى وارى التراب جلدة بطنه . وهو يرتجز بكلمة nindex.php?page=showalam&ids=82عبد الله بن رواحة رضي الله عنه :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا إن الأولى قد بغوا علينا
وإن أرادوا فتنة أبينا
وفي صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة إني باعث نبيا أميا ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا صخاب في الأسواق ، ولا متزين بالفحش ، ولا قوال للخنا . أسدده لكل جميل . وأهب له كل خلق كريم . ثم أجعل السكينة لباسه ، والبر شعاره ، والتقوى ضميره . والحكمة معقوله ، والصدق والوفاء طبيعته ، والعفو والمعروف خلقه ، والعدل سيرته . والحق شريعته ، والهدى إمامه ، والإسلام ملته ،
وأحمد اسمه .
فَصْلٌ مَنْزِلَةُ السَّكِينَةِ
وَمِنْ مَنَازِلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ nindex.php?page=treesubj&link=32494مَنْزِلَةُ السَّكِينَةِ
هَذِهِ الْمَنْزِلَةُ مِنْ مَنَازِلِ الْمَوَاهِبِ . لَا مِنْ مَنَازِلِ الْمَكَاسِبِ . وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ السَّكِينَةَ فِي كِتَابِهِ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ .
الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ .
الثَّانِي : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=26ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ .
الثَّالِثُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا .
الرَّابِعُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=4هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا .
[ ص: 471 ] الْخَامِسُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=18لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا .
السَّادِسُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=26إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ . الْآيَةَ .
وَكَانَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إِذَا اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ الْأُمُورُ : قَرَأَ آيَاتَ السَّكِينَةِ .
وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي وَاقِعَةٍ عَظِيمَةٍ جَرَتْ لَهُ فِي مَرَضِهِ ، تَعْجِزُ الْعُقُولُ عَنْ حَمْلِهَا - مِنْ مُحَارَبَةِ أَرْوَاحٍ شَيْطَانِيَّةٍ ، ظَهَرَتْ لَهُ إِذْ ذَاكَ فِي حَالِ ضَعْفِ الْقُوَّةِ - قَالَ : فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيَّ الْأَمْرُ ، قُلْتُ لِأَقَارِبِي وَمَنْ حَوْلِيَ : اقْرَءُوا آيَاتِ السَّكِينَةِ ، قَالَ : ثُمَّ أَقْلَعَ عَنِّي ذَلِكَ الْحَالُ ، وَجَلَسْتُ وَمَا بِي قَلْبَةٌ .
وَقَدْ جَرَّبْتُ أَنَا أَيْضًا قِرَاءَةَ هَذِهِ الْآيَاتِ عِنْدَ اضْطِرَابِ الْقَلْبِ بِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ . فَرَأَيْتُ لَهَا تَأْثِيرًا عَظِيمًا فِي سُكُونِهِ وَطُمَأْنِينَتِهِ .
وَأَصْلُ السَّكِينَةِ هِيَ الطُّمَأْنِينَةُ وَالْوَقَارُ ، وَالسُّكُونُ الَّذِي يُنْزِلُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ عَبْدِهِ ، عِنْدَ اضْطِرَابِهِ مِنْ شِدَّةِ الْمَخَاوِفِ . فَلَا يَنْزَعِجُ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ . وَيُوجِبُ لَهُ زِيَادَةُ الْإِيمَانِ ، وَقُوَّةَ الْيَقِينِ وَالثَّبَاتِ .
وَلِهَذَا أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ إِنْزَالِهَا عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي مَوَاضِعِ الْقَلَقِ وَالِاضْطِرَابِ . كَيَوْمِ الْهِجْرَةِ ، إِذْ هُوَ وَصَاحِبُهُ فِي الْغَارِ وَالْعَدُوُّ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ . لَوْ نَظَرَ أَحَدُهُمْ إِلَى مَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَرَآهُمَا . وَكَيَوْمِ
حُنَيْنٍ ، حِينَ وَلَّوْا مُدَبِّرِينَ مِنْ شِدَّةِ بَأْسِ الْكُفَّارِ ، لَا يَلْوِي أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى أَحَدٍ . وَكَيَوْمِ
الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ اضْطَرَبَتْ قُلُوبُهُمْ مِنْ تَحَكُّمِ الْكُفَّارِ عَلَيْهِمْ ، وَدُخُولِهِمْ تَحْتَ شُرُوطِهِمُ الَّتِي لَا تَحَمَّلُهَا النُّفُوسُ . وَحَسْبُكَ بِضَعْفِ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ حَمْلِهَا - وَهُوَ
عُمَرُ - حَتَّى ثَبَّتَهُ اللَّهُ
nindex.php?page=showalam&ids=1بِالصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : كُلُّ سَكِينَةٍ فِي الْقُرْآنِ فَهِيَ طُمَأْنِينَةٌ ، إِلَّا الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=48الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980564رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ [ ص: 472 ] مِنْ تُرَابِ الْخَنْدَقِ ، حَتَّى وَارَى التُّرَابُ جِلْدَةَ بَطْنِهِ . وَهُوَ يَرْتَجِزُ بِكَلِمَةِ nindex.php?page=showalam&ids=82عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
اللهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا فَأَنْزِلْنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا
وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا إِنَّ الْأُولَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا
وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا
وَفِي صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةُ إِنِّي بَاعِثٌ نَبِيًّا أُمِّيًا ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ ، وَلَا صَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ ، وَلَا مُتَزَيِّنٍ بِالْفُحْشِ ، وَلَا قَوَّالٍ لِلْخَنَا . أُسَدِّدُهُ لِكُلِّ جَمِيلٍ . وَأَهَبُ لَهُ كُلَّ خُلُقٍ كَرِيمٍ . ثُمَّ أَجْعَلُ السَّكِينَةَ لِبَاسَهُ ، وَالْبَرَّ شِعَارَهُ ، وَالتَّقْوَى ضَمِيرَهُ . وَالْحِكْمَةَ مَعْقُولَهُ ، وَالصِّدْقَ وَالْوَفَاءَ طَبِيعَتَهُ ، وَالْعَفْوَ وَالْمَعْرُوفَ خُلُقَهُ ، وَالْعَدْلَ سِيرَتَهُ . وَالْحَقَّ شَرِيعَتَهُ ، وَالْهُدَى إِمَامَهُ ، وَالْإِسْلَامَ مِلَّتَهُ ،
وَأَحْمَدَ اسْمَهُ .