الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( باب موت المكاتب وعجزه وموت المولى )

                                                                                        تأخير باب أحكام هذه الأشياء ظاهر التناسب ; لأن هذه الأشياء متأخرة عن عقد الكتابة فكذا بيان أحكامها قال رحمه الله ( مكاتب عجز عن نجم وله مال سيصل لم يعجزه الحاكم إلى ثلاثة أيام ) نظرا للجانبين والثلاثة هي المدة التي ضربت لإمهال الأعذار كإمهال الخصم للدفع والمدين للقضاء فلا يزاد عليه قال صاحب العناية والمدين بالجر عطفا على كإمهال أقول : هذا بحسب الظاهر غير صحيح قطعا ; لأنا لا نشك أن المديون معطوف على الخصم والمعنى وكإمهال المديون لأجل القضاء ويقبل قوله في الإمهال بمجرد قوله قال في البدائع فإن عجز عن نجم فإن كان له مال حاضر أو غائب بأن قال لي مال على إنسان أو قال يجيء في القافلة يمهله القاضي إلى الثلاثة أيام إذ انتظار المدة مندوب قال في البدائع ينتظر يومين أو ثلاثة استحسانا والواجب لا يجبر فيه ولا يخفى أن النجم هو الطالع وسمي به الوقت المضروب ، ثم سمي به ما يؤدي من الوظيفة قال رحمه الله ( وإلا عجزه وفسخها أو سيده برضاه ) يعني إذا لم يكن له مال سيصل في ثلاثة أيام فسخ القاضي الكتابة أو فسخ المولى برضا المكاتب ، وهذا عند الإمام ومحمد .

                                                                                        وقال أبو يوسف لا يعجزه حتى يتوالى عليه نجمان لقول علي رضي الله تعالى عنه إذا توالى على المكاتب نجمان يرد في الرق والأمر فيما لا يدرك بالقياس كالخبر ; ولأنه عقد إرفاق حتى كان التأجيل فيه سنة ولهما ما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه فسخها بعجز المكاتب عن نجم ورده إلى الرق والأثر فيه كالمرفوع وما رواه عن علي لا ينفي الفسخ إذا عجز عن نجم ، بل هو سكوت عنه وأفاد بقوله أو سيده برضاه أن الكتابة لازمة من جانب المولى غير لازمة من جانب العبد فلو أراد العبد أن يعجز نفسه ويفسخ الكتابة وأبى المولى ذلك فللعبد ذلك في الرواية الصحيحة والرواية الثانية أنها لازمة من جانب العبد أيضا ، فليس له أن يفسخها بغير رضا المولى والمراد بقوله فسخها يعني الحاكم يحكم بعجزه ; لأنه واجب عند طلب المولى وله ولاية ذلك وإن لم يرض العبد فلا بد من القضاء كالرد بالعيب وظاهر قوله مكاتب عجز عن نجم صادق بما إذا كاتبه وحده أو مع غيره وليس كذلك ، بل هو خاص بما إذا كاتبه وحده قال في المحيط ، ولو كاتب عبدين كتابة واحدة فعجز أحدهما فرده القاضي في الرق والقاضي لا يعلم بمكاتبة الآخر معه ، ثم أدى الآخر الكتابة عتقا جميعا ; لأنه لم يصح رد الأول في الرق ما دام الآخر قادرا على أداء [ ص: 69 ] بدل الكتابة ولهذا لو علم القاضي بكتابة الآخر لا يرد حتى يجتمعا ، ولو كاتب الموليان عبدا لهما كتابة واحدة فعجز لم يرد في الرق حتى يجتمع الموليان ; لأنه إذا غاب أحدهما كان الفسخ في نصيب الآخر متعذرا .

                                                                                        ولو مات المولى عن ورثة فلبعضهم الرد في الرق بقضاء وليس له ذلك بغير قضاء ; لأن بعض الورثة ينتصب خصما عن الميت فيما له وفيما عليه وفي المحيط كاتب عبديه كتابة واحدة فارتد أحدهما ولحق بدار الحرب فعجز الحاضر لم يرده القاضي في الرق وإن رده لم يكن ردا للآخر حتى لو رجع مسلما لم يرده إلى مولاه فلو قال في كتابة واحدة لكان أولى ا هـ .

                                                                                        قال رحمه الله ( وعاد أحكام الرق ) يعني إذا عجز عاد إلى أحكام الرق ; لأن الكتابة قد انفسخت وفك الحجر كان لأجل عقد الكتابة فلا يبقى بدون العقد ولا يخفى أن المؤلف قال وعاد أحكام ولم يقل عاد إلى الرق ; لأنه فيه باق قال رحمه الله ( وما في يده لسيده ) ; لأنه ظهر أنه كسب عبده إذا كان موقوفا عليه أو على المولى على تقدير الأداء كان له وعلى تقدير العجز كان للمولى ، وقد تحقق العجز فكان لمولاه .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية