الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( أفرأيتم النار التي تورون ( 71 ) أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون ( 72 ) نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين ( 73 ) ) [ ص: 144 ]

يقول - تعالى ذكره - : أفرأيتم أيها الناس النار التي تستخرجون من زندكم ( أأنتم أنشأتم شجرتها ) يقول : أأنتم أحدثتم شجرتها واخترعتم أصلها ( أم نحن المنشئون ) يقول : أم نحن اخترعنا ذلك وأحدثناه ؟ .

وقوله : ( نحن جعلناها تذكرة ) يقول : نحن جعلنا النار تذكرة لكم تذكرون بها نار جهنم ، فتعتبرون وتتعظون بها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( تذكرة ) قال : تذكرة النار الكبرى .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( أفرأيتم النار التي تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون نحن جعلناها تذكرة ) للنار الكبرى .

ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ، قالوا : يا نبي الله إن كانت لكافية قال : قد ضربت بالماء ضربتين أو مرتين ، ليستنفع بها بنو آدم ويدنو منها " .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد ( تذكرة ) قال : للنار الكبرى التي في الآخرة .

وقوله : ( ومتاعا للمقوين ) اختلف أهل التأويل في معنى المقوين ، فقال بعضهم : هم المسافرون .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس في قوله : ( للمقوين ) قال : للمسافرين . [ ص: 145 ]

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( ومتاعا للمقوين ) قال : يعني المسافرين .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ومتاعا للمقوين ) قال للمرمل المسافر .

حدثني ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وفي قوله : ( للمقوين ) قال : للمسافرين .

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( ومتاعا للمقوين ) قال : للمسافرين .

وقال آخرون : عني بالمقوين : المستمتعون بها .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله : ( ومتاعا للمقوين ) للمستمتعين الناس أجمعين .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد ( ومتاعا للمقوين ) للمستمتعين المسافر والحاضر .

حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب الشهيد قال : ثنا عتاب بن بشير ، عن خصيف في قوله : ( ومتاعا للمقوين ) قال : للخلق .

وقال آخرون : بل عني بذلك : الجائعون .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : ابن زيد في قوله : ( ومتاعا للمقوين ) قال : المقوي : الجائع : في كلام العرب . يقول : أقويت منه كذا وكذا : ما أكلت منه كذا وكذا شيئا . [ ص: 146 ]

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال : عني بذلك للمسافر الذي لا زاد معه ، ولا شيء له ، وأصله من قولهم : أقوت الدار : إذا خلت من أهلها وسكانها كما قال الشاعر :


أقوى وأقفر من نعم وغيرها هوج الرياح بهابي الترب موار



يعني بقوله " أقوى " : خلا من سكانه ، وقد يكون المقوي : ذا الفرس القوي ، وذا المال الكثير في غير هذا الموضع .

التالي السابق


الخدمات العلمية