الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5757 ) فصل : ولا يحصل الخلع بمجرد بذل المال وقبوله ، من غير لفظ الزوج . قال القاضي : هذا الذي عليه شيوخنا البغداديون . وقد أومأ إليه أحمد وذهب أبو حفص العكبري وابن شهاب ، إلى وقوع الفرقة بقبول الزوج للعوض . وأفتى بذلك ابن شهاب بعكبرا واعترض عليه أبو الحسين بن هرمز ، واستفتى عليه من كان ببغداد من أصحابنا ، فقال ابن شهاب : المخلعة على وجهين ، مستبرئة ، ومفتدية ، فالمفتدية هي التي تقول : لا أنا ولا أنت ، ولا أبر لك قسما ، وأنا أفتدي نفسي منك . فإذا قبل الفدية ، وأخذ المال ، انفسخ النكاح ; لأن [ ص: 251 ] إسحاق بن منصور روى ، قال : قلت لأحمد كيف الخلع ؟ قال : إذا أخذ المال ، فهي فرقة . وقال إبراهيم النخعي أخذ المال تطليقة بائنة .

                                                                                                                                            ونحو ذلك عن الحسن وعن علي رضي الله عنه من قبل مالا على فراق ، فهي تطليقة بائنة ، لا رجعة له فيها . واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم لجميلة : { أتردين عليه حديقته ؟ قالت : نعم ، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما . وقال : خذ ما أعطيتها ، ولا تزدد } ولم يستدع منه لفظا . ولأن دلالة الحال تغني عن اللفظ ; بدليل ما لو دفع ثوبه إلى قصار أو خياط معروفين بذلك ، فعملاه ، استحقا الأجرة ، وإن لم يشترطا عوضا .

                                                                                                                                            ولنا أن هذا أحد نوعي الخلع ، فلم يصح بدون اللفظ ، كما لو سألته أن يطلقها بعوض ، ولأنه تصرف في البضع بعوض ، فلم يصح بدون اللفظ ، كالنكاح والطلاق ، ولأن أخذ المال قبض لعوض ، فلم يقم بمجرده مقام الإيجاب ، كقبض أحد العوضين في البيع ، ولأن الخلع إن كان طلاقا ، فلا يقع بدون صريحة أو كنايته ، وإن كان فسخا فهو أحد طرفي عقد النكاح ، فيعتبر فيه اللفظ ، كابتداء العقد . وأما حديث جميلة ، فقد رواه البخاري : ( اقبل الحديقة ، وطلقها تطليقة ) . وهذا صريح في اعتبار اللفظ .

                                                                                                                                            وفي رواية : فأمره ففارقها . ومن لم يذكر الفرقة ، فإنما اقتصر على بعض القصة ، بدليل رواية من روى الفرقة والطلاق ، فإن القصة واحدة ، والزيادة من الثقة مقبولة ، ويدل على ذلك أنه قال : ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما ، وقال ( خذ ما أعطيتها ) . فجعل التفريق قبل العوض ، ونسب التفريق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يباشر التفريق ، فدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به ، ولعل الراوي استغنى بذكر العوض عن ذكر اللفظ ; لأنه معلوم منه .

                                                                                                                                            وعلى هذا يحمل كلام أحمد وغيره من الأئمة ، ولذلك لم يذكروا من جانبها لفظا ولا دلالة حال ، ولا بد منه اتفاقا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية