الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في حد الغنى الذي يمنع أخذ الزكاة]

                                                                                                                                                                                        واختلف في معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة " [ ص: 969 ] على ثلاثة أقوال : فقيل : هو من كانت له كفاية وإن كانت دون نصاب للحديث : "من سأل وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا" . وقيل : هو من له نصاب ، وأن الغني الذي حرمت عليه ، هو كالغني الذي تجب عليه . ومن كان له دون نصاب ، حلت له للحديث : "أمرت أن آخذها من أغنيائهم ، فأردها في فقرائهم" . وقيل : المراد الكفاية ، فمن كان له أكثر من نصاب ولا كفاية فيه ؛ حلت له . وهذا ضعيف ؛ لأنه غني تجب عليه الزكاة ، فلم يدخل في اسم الفقراء ، ولأنه لا يدري هل يعيش إلى أن ينفق ما في يديه ، ولا خلاف بين الأمة فيمن كان له نصاب ، وهو ذو عيال ولا يكفيهم ما في يديه ، أن الزكاة واجبة عليه ، وهو في عداد الأغنياء ، وإذا كان ذلك فلم يحل أن يعطى .

                                                                                                                                                                                        وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من سأل وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا" محمله على من سأل من غير الزكاة فلا تجب مواساته ، ألا ترى أنه لا تجب مواساة من له دار وخادم لا فضل في ثمنهما ، ويجوز له أن يأخذ من [ ص: 970 ] الزكاة ، وفي الحديث : "أو عدلها" . والدار والخادم أكثر من عدل الأوقية ، ولم يكن ذلك مما يمنع من أن يعطى الزكاة .

                                                                                                                                                                                        واختلف هل يعطى الفقير نصابا ، وأرى أن ينظر إلى زكوات الناس بذلك البلد ، فإن كان يخرج به زكاة واحدة في العام ، وسع له في العطاء على قدر ما يرى أنه يغنيه إلى مثل ذلك الوقت إذا كان في الزكاة متسع لذلك ، وإن كان يخرج به زكاتان : العين والزرع ، أعطي من الأولى ما يبلغه الثانية إذا كان فيها محمل لذلك . وإن كان يخرج به زكاة العين ، والحرث والماشية ، أعطي من كل واحدة ما يبلغه الأخرى . والغنى المراعى : العين ، وعروض التجارة ، وفضلة بينة على القنية . فإن كانت له دار أو خادم لا فضلة فيهما ، أو كانت فيهما فضلة يسيرة ؛ أعطي من الزكاة . وإن كانت فضلة بينة ؛ لم يعط .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية