الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله تعالى : وآمنوا بما أنـزلت [ ص: 316 ] أي أوجدت إنزاله مصدقا لما معكم تقرير لـ " ذلك الكتاب لا ريب فيه " ، وأمروا كما قال الحرالي تجديد الإيمان بالقرآن لما فيه من إنباء بأمور من المغيبات التي لم تكن في كتابهم كتفاصيل أمور الآخرة التي استوفاها القرآن ، لأنه خاتم ليس وراءه كتاب ينتظر فيه بيان ، وقد أبقى لكل كتاب قبله بقية أحيل فيها على ما بعده ، ليتناءى البيان إلى غاية ما أنزل به القرآن حين لم يعهد إليهم إلا في أصله على الجملة . انتهى . وفي قوله : ولا تكونوا أول كافر به معنى دقيق في تبكيتهم وأمر جليل من تعنيفهم وذلك أنه ليس المراد من " أول " ظاهر معناه المتبادر إلى الذهن ، فإن العرب [ ص: 317 ] كثيرا ما تطلق الأول ولا تريد حقيقته بل المبالغة في السبق ، كما قال مقيس بن صبابة وقد قتل شخصا من الصحابة رضوان الله عليهم كان قتل أخاه خطأ ورجع إلى مكة مرتدا :


                                                                                                                                                                                                                                      حللت به وتري وأدركت ثؤرت وكنت إلى الأوثان أول راجع



                                                                                                                                                                                                                                      هذا في جانب الإثبات ، فإذا نفيت ناهيا فقلت : لا تكن أول فاعل لكذا ، فمعناه إنك إن فعلت ذلك لم تكن صفتك إلا كذلك ، فهو خارج مخرج المبالغة في الذم بما هو صفة المنهي فلا مفهوم له ، وعبر به تنبيها على أنهم لما تركوا اتباع هذا الكتاب [ كانوا ] لما عندهم من العلم بصحته في غاية اللجاجة فكان عملهم في كفرهم وإن تأخر [ ص: 318 ] عمل من يسابق شخصا إلى شيء ، أو يكون المعنى أنهم لم يمنعهم من الإيمان به جهل بالنظر ولا عدم اطلاع على ما أتى به أنبياؤهم من البشر بل مجرد الحسد للعرب أن يكون منهم نبي المستلزم لحسد هذا النبي بعينه ، لأن الحكم على الأعم يستلزم الحكم على الأخص بما هو من أفراد الأعم . فصارت رتبة كفرهم قبل رتبة كفر العرب الجاهلين به أو الحاسدين له صلى الله عليه وسلم بخصوصه لا لعموم العرب ، فكان أهل الكتاب أول كافر به لا يمكن أن يقع كفرهم إلا على هذا الوجه الذي هو أقبح الوجوه ، فالمعنى لا تكفروا به ، فإنه إن وقع منكم كفر به كان أول كفر ، لأن رتبته أول رتب الكفر الواقع ممن سواكم فكنتم أول كافر فوقعتم في أقبح وجوه الكفر ، ولذا أفرد ولم يقل : كافرين ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما نهاهم عن الكفر بالآيات نهاهم عن الحامل عليه لقوله : ولا تشتروا [ ص: 319 ] أي تتكلفوا وتلحوا في أن تستبدلوا بآياتي أي التي تعلمونها في الأمر باتباع هذا النبي الكريم ثمنا قليلا وهو رياسة قومكم وما تأخذونه من الملوك وغيرهم على حمل الشريعة ، والقلة ما قصر عن الكفاية - قاله الحرالي . وإياي أي خاصة فاتقون أي اجعلوا لكم وقاية من إنزال غضبي ، فالتقوى نتيجة الرهبة كما أن هذه الأفعال نتيجة ما في آية الرهبة ،

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية