الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ثم شرع في بيان ما لو جاوز دم المرأة خمسة عشر يوما يسمى بالمستحاضة ، [ ص: 341 ] ولها سبعة أحوال لأنها إما مميزة أو لا ، وكل منهما إما مبتدأة أو معتادة ، وغير المميزة الناسية لعادتها وهي المتحيرة إما ناسية للقدر والوقت أو للأول دون الثاني أو للثاني دون الأول ، فقال مبتدئا بالمبتدأة المميزة ( فإن عبره ) أي جاوز الدم أكثر الحيض ( فإن ) ( كانت ) أي من جاوز دمها أكثر الحيض ( مبتدأة ) أي أول ما ابتدأها الدم ( مميزة ) ( بأن ترى ) في بعض الأيام دما ( قويا و ) في بعضها ( ضعيفا ) كالأسود والأحمر فهو ضعيف بالنسبة للأسود قوي بالنسبة للأشقر ، والأشقر أقوى من الأصفر ، وهو أقوى من الأكدر ، وذو الرائحة الكريهة أقوى مما لا رائحة له ، والثخين أقوى من الرقيق ، والأقوى ما جمع من هذه القوى أكثر ، فإن استويا في الصفات كأن كان أحدهما أسود بلا ثخن ونتن والآخر أحمر بأحدهما ، أو كان الأسود بأحدهما والأحمر بهما اعتبر السبق لقوته ( فالضعيف ) من ذلك ( استحاضة ) وإن امتد زمنه .

                                                                                                                            ( والقوي ) منه ( حيض ) بثلاثة شروط : أشار إلى أولها بقوله ( إن لم ينقص ) القوي ( عن أقله ) وهو يوم وليلة كما مر ، وإلى ثانيها بقوله ( ولا عبر ) أي جاوز ( أكثره ) وهو خمسة عشر يوما متصلة لأن الحيض لا يزيد على ذلك ، وإلى ثالثها بقوله ( ولا نقص الضعيف عن أقل الطهر ) وهو خمسة عشر يوما ولاء ليكون طهرا بين الحيضتين ، فلو رأت يوما سوادا ويوما حمرة وهكذا أبدا لم يكن تمييزا معتبرا ، وإنما كانت جملة الضعيف لم تنقص عن خمسة عشر يوما لعدم اتصالها ، ومتى اجتمعت الشروط المذكورة كان الضعيف طهرا وإن طال ، حتى لو رأت يوما وليلة أسود ثم اتصل به الضعيف وتمادى سنين كان طهرا وإن كانت ترى الدم دائما إذا كثر الطهر لا حد له ، وشمل قوله والقوي حيض ما لو تقدم القوي وهو كذلك قطعا ، وما لو تأخر أو توسط [ ص: 342 ] كما لو رأت خمسة حمرة ثم خمسة سوادا ثم أطبقت الحمرة وهو كذلك على الأصح .

                                                                                                                            ولو اجتمع قوي وضعيف وأضعف فالقوي مع ما يناسبه في القوة من الضعيف حيض بثلاثة شروط : أن يتقدم القوي ، وأن يتصل به المناسب الضعيف ، وأن يصلحا معا للحيض بأن لا يزيد مجموعهما على أكثره كخمسة سوادا ثم خمسة حمرة ثم أطبقت الصفرة فالأولان حيض ، وإن لم يصلحا معا للحيض كعشرة سوادا وستة حمرة ثم أطبقت الصفرة أو صلحا لكن تقدم الضعيف كخمسة حمرة ثم خمسة سوادا ثم أطبقت الصفرة أو تأخر لكن لم يتصل الضعيف بالقوي كخمسة سوادا ثم خمسة صفرة ثم أطبقت الحمرة فالحيض السواد فقط ، وما ذكر في الثالثة هو ما صرح به الروياني وشراح الحاوي الصغير وصححه المصنف في تحقيقه ، لكنه في المجموع كالروضة وأصلها جعلها كتوسط الحمرة بين سوادين وقال في تلك ، لو رأت سوادا ثم حمرة ثم سوادا كل واحد سبعة أيام فحيضها السواد مع الحمرة .

                                                                                                                            وأجاب الوالد رحمه الله تعالى عن ذلك بأن الحمرة إنما جعلت حيضا تبعا للسواد لقربها منه لكونها تليه في القوة ، بخلاف الصفرة مع السواد ا هـ .

                                                                                                                            وعلم من ذلك صحة ما في التحقيق والمجموع ويفرق بينهما ، وأما الجعل الذي ذكره فغير مسلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وغير ) أي والمعتادة غير إلخ ( قوله : أو الثاني ) والصورة السابعة أن تكون المعتادة غير المميزة حافظة للقدر والوقت ، ولعله ترك التصريح بها لاستفادتها بالمفهوم من قوله الناسية لعادتها أو لتصريح المصنف بها في قوله فترد إليهما قدرا ووقتا ( قوله : أي أول ما ابتدأها الدم ) هذا التفسير يستفاد منه أنه ضبط المتن بفتح الدال ، وعبارة الشيخ عميرة قول الشارح : أي أول إلخ فهي بفتح الدال في عبارة المتن ، وتوقف ابن الصلاح في صحة قولك ابتدأه الشيء وقال : لم أجده في اللغة ، وعليه فيقرأ في المتن بكسر الدال : أي ابتدئت في الدم ا هـ .

                                                                                                                            ولعل الشارح لم يشرح عليه لأنه يحوج إلى تجوز في إسناد الابتداء بمعنى الشروع إلى المرأة ( قوله : بأن ترى ) ع هو تفسير للمميزة لا للمبتدأة المميزة ا هـ سم على منهج ( قوله : فهو ضعيف ) أي الأحمر ( قوله : وهو ) أي الأصفر أقوى من الأكدر ( قوله : أكثر ) أي أكثر من مقابله ( قوله : امتد زمنه ) قال الشيخ عميرة سنين وسيأتي أيضا في كلامه ( قوله : متصلة ) أي فهذا الشرط في الحقيقة شرطان : هما كونه لم يجاوز أكثر الحيض ، وكونه متصلا ( قوله : ولا نقص الضعيف إلخ ) قال الرافعي رحمه الله لأنا نريد أن نجعل الضعيف طهرا والقوي بعده حيضة أخرى ، وإنما يمكن ذلك إذا بلغ الضعيف خمسة عشر ، ومثل الإسنوي لذلك بما لو رأت يوما وليلة أسود وأربعة عشر أحمر ثم السواد .

                                                                                                                            ثم قال : فلو أخذنا بالتمييز هنا واعتبرناه لجعلنا القوي حيضا والضعيف طهرا والقوي بعده حيضا آخر فيلزم نقصان الطهر عن أقله ا هـ عميرة ( قوله : فلو رأت يوما سوادا ) أي مع ليلته ، وأما لو رأت الدم بالنهار دون الليل أو عكسه فلا حيض لها لأنه لا جائز أن يحكم على يوم وليلة من أول الشهر بأنهما حيض دون ما بعدهما لكون النقاء على هذا ليس متخللا بين دم حيض ولا أن يحكم على ما يكمل به يوم وليلة مما بعد النقاء من الدم لأنه يلزم أن يكون حيضها أكثر من يوم وليلة .

                                                                                                                            قال في البهجة : بل لا حيض للتي تردها الأقل فأبصرت يوما دما وأبصرت ليلا نقاء عنه حتى عبرت ا هـ عميرة رحمه الله ( قوله : لم يكن تمييزا إلخ ) أي بل هي فاقدة شرط التمييز وسيأتي حكمها ( قوله : وما لو تأخر ) أي وإن وقع بعده [ ص: 342 ] ضعيف أيضا فيشمل ما لو توسط وهو ما مثل به ( قوله : وما ذكر في الثالثة ) هي قوله : أو تأخر لكن لم يتصل ( قوله : وقال في تلك ) أي توسيط الحمرة بين سوادين ( قوله : مع الحمرة ) أي فيكون حيضها في هذه الصورة السواد مع الصفرة ( قوله : وأجاب الوالد ) المتبادر منه أنه جواب عن التعارض بين ما في التحقيق والمجموع ، لكن سيأتي له أن ما ادعاه من الجعل غير صحيح مع أنه عين ما استشكل به المعترض .

                                                                                                                            وعبارة سم على حج بعد نقل مثل ما ذكره الشارح عن شرح الروض ما نصه : أي فيكون حيضها السواد مع الصفرة فقد نسب : أي صاحب الروض إلى تصحيح التحقيق وغيره أن حيضها السواد فقط وإلى المجموع ، والأصل أن حيضها السواد مع الصفرة ، وأجاب شيخنا إلى آخر ما ذكره الشارح وهي ظاهرة في أنه ليس جوابا عن المعارضة بل هو جواب عما وجه في المجموع .

                                                                                                                            وحاصله يرجع إلى اعتماد ما في التحقيق ( قوله : لقربها منه ) لكن يشكل على جعل الحمرة مع السواد حيضا أن الحمرة وإن كانت مناسبة للأسود لكن لم يتأخر عنها ما هو أضعف منها مع اعتبارهم في المناسب ( قوله : ما في التحقيق ) أي من أن الحيض السواد فقط ، وما في المجموع من أن السواد مع الحمرة حيض الذي عبر به عنه بقوله : وقال في تلك لو رأت إلخ ( قوله : ويفرق بينهما ) أي بالفرق المتقدم عن الوالد بأن الحمرة لما جعلت إلخ ( قوله : الذي ذكره ) أي المصنف في المجموع والروضة من أن الصفرة المذكورة كتوسط الحمرة بين سوادين ( قوله : فغير مسلم ) أي لضعف الصفرة بالنسبة لما بعدها



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 341 - 342 ] قوله : وعلم من ذلك صحة ما في التحقيق ، والمجموع ) مراده بصحة ما في المجموع بالنسبة للمقيس عليه بدليل ما قرره وبدليل قوله وأما الجعل إلخ ( قوله : ويفرق بينهما ) أي بين المقيس ، والمقيس عليه في كلام المجموع : أي يفرق [ ص: 343 ] بينهما بما قدمه عن والده ، على أنه كان الأولى حذف قوله وعلم إلخ إذ لا حاجة إليه مع ما فيه




                                                                                                                            الخدمات العلمية